للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حفظ الأوقات وضياعها بين السلف والخلف]

إن من المؤلم لقلوبنا ضياع أوقاتنا، وأعظم قضايا الساعة هي ضياع الأوقات، عند الكبار والصغار إلا من رحم ربك، نهب الأوقات {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ} تجد الإنسان صحيح الجسم فارغاً، ولكن لا ذِكْر ولا قرآن ولا عِلْم.

يَذكر الذهبي وابن كثير بأسانيد صحيحة: أن الإمام أحمد -إمام أهل السنة والجماعة - كان يصلي في اليوم والليلة من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة.

يقول: كان ورد الإمام أحمد من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة، يركعها لله.

وكان خالد بن معدان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة، وذكروا عن غيرهم من الأئمة شيئاً عجباً، ومن أراد أن يطالع فليقرأ سير أعلام النبلاء، ليجد عبادة السلف، وليجد كيف أفنوا أعمارهم في طاعة الله، وكيف تقربوا إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

إن ضياع الأوقات معصية عصي الله بها في الأرض يوم لم يعرف قيمة الزمن؛ لأننا وجدنا الثقافة الغربية أتت إلى الجيل، وقالت: الحياة طفش وزهق، وكيف تقضي حياتك، ويومك، مثل ما يفعل دايل كارنيجي وأمثاله، يجعلون من اللهو هذا قضاء للحياة، وأن اللعب والتسلية والسباحة المفرطة، ومطاردة الحمام والدجاج، كلها تسلية للعبد، وكان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يقال للواحد منهم: مَن إمامك؟ فيقول: محمد، فيقال: ماذا تريد؟ فيقول: الجنة، فيقال: ما هي هوايتك؟ فيقول: الموت في سبيل الله، فيقال: أين بيتك؟ فيقول: المسجد.

{دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وترعى الشجر}.

في بعض الصحف المحلية، يُلْقُون مقابلة مع شباب في الثانية عشرة والثالثة عشرة، فيقولون له: ما هي هوايتك، فيقول: جمع الطوابع والمراسلة، وصيد الحمام.

جمع الطوابع: هل هذه هواية المسلم؟ هل هذه حياة من آمن بالله؟

المراسلة وجمع الطوابع وصيد الدجاج والأرانب: أهذه حياة من آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؟ لا.

هذه حياة كانت والديكارت، أذناب الشعوب أعداء البشر، الثيران الذين فهموا كل شيء إلا الإيمان، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:٦٦] إذا علم هذا فإن مقصد الحياة حفظ الوقت.

الأمر الثاني: تجديد التوبة دائماً وأبداً، يقول ابن عباس فيما يُؤثر عنه: [[اصبحوا تائبين، واجلسوا تائبين، فإنكم لا تنفكون من ذنب]] أو كما قال.

وهذا حالنا، نروح ونغدو في الذنوب والخطايا، ولكن باب التوبة مفتوح، ينادينا الله سبحانه: يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم.

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا واغفر أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

وجد بين الأجيال من بلغ الأربعين وهو لا يعرف المسجد، ومنهم من ألغى صلاة الجماعة من حياته، ومنهم من ألغى صلاة الفجر من برنامجه اليومي، هؤلاء ماذا يقولون في سكرات الموت؟!

الأعمش سليمان بن مهران، راوي الصحيحين، الجهبذ العلامة شيخ الإسلام، لما حضرته الوفاة بكت ابنته، فقال لها: [[ابكي أو لا تبكي فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة خمسين سنة]].

وسعيد بن المسيب في سكرات الموت يقول: [[والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة، إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام]].

عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه

لكن الحياة لما مالت عن منهج لا إله إلا الله، وعن تربية الكتاب والسنة، لأن بعض المقررات الدراسية درسناها ودرسها زملاؤنا كأنه في الرابع الابتدائي أو الخامس، درسنا (طه والطبلة) بدل أن يدرسونا {طه} {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:٢] كان للطلبة طبلةٌ يُضرَب عليها، فحفظنا هذه فخرجت علوماً باردة ليس فيها تأثير ولا حرارة ولا نور، فأخرج الجيل صلاة الجماعة من حياته، وتخرج الجيل من الثانوية والجامعة ومهمته الوظيفة والسيارة والزوجة، وهل سمعت برجل يقول: أًريد الشهادة في سبيل الله؟ يقول أنس بن النضر رضي الله عنه في يوم أحد: [[إليك عني يا سعد بن معاذ! والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] فقاتل حتى قتل، ويأتي جعفر الطيار، ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم مؤتة فيتناول السيف فيقاتل به، فيقطعون يمينه، وتتعلق يده اليمنى بجلدة من جلده فيضعها بين رجليه ويتحامل عليها حتى يقطعها، ثم يأخذ السيف باليسرى فيقطعونها، فيضم الراية على صدره، وهو يقول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

علي إن لاقيتها ضرابها

<<  <  ج:
ص:  >  >>