للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أعداء التوحيد إبليس وفرعون]

ومن أول أعدائه إبليس عليه لعنة الله، رفض لا إله إلا الله، ورفض أن يسجد لرب لا إله إلا الله، وسار على منواله فرعون، وكل من سار على موكب فرعون.

يقول فرعون في التوحيد: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١] فأجراها الله من فوق رأسه.

نعم، دخل عليه موسى عليه السلام- رسول التوحيد- قال: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الاسراء:١٠٢] وقبلها من الذي علم موسى التوحيد؟ الله، أول لقاء بين موسى وبين ربه في المكالمة، يقول له: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:١١] {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤].

أعظم تعريف عند أهل السنة والجماعة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه الله الذي لا إله إلا هو {يَا مُوسَى} [طه:١١] {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤] هذا هو التعريف العظيم.

يقولون سيبويه صاحب الكتاب في النحو رحمه الله توفي، فرئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: لأني لما وصلت إلى لفظ الجلالة "الله" قلت: الله أعرف المعارف، فأدخله الله الجنة.

فيقول الله لموسى -يعلمه التوحيد في أول لقاء-: يا موسى إنني أنا الله

أي: قبل أن تدعو فرعون، وقبل أن تتحرك بالدعوة، وقبل أن تؤدب الناس.

يا موسى قبل أن تجاهد في سبيل الله، يا موسى قبل أن تقيم دولتك في الأرض اعلم أنه لا إله إلا الله.

يعلمها الناس، ولا بد أن كلنا جميعاً، يعلمها المسلم، ويعلمها الأستاذ في فصله، والمزارع في مزرعته، والتاجر في دكانه، والجندي في مهمته، كل يعلم هذه القضية لنعيش حياة الإيمان، وإذا ما علمناها، فسوف تبقى حياتنا مضطربةً متمزقةً بعيدةً عن الله.

دخل موسى على فرعون، فقال: يا ملعون يا فاجر، أنت تدري في قلبك أن الذي خلق السماوات والأرض الله، لكنك تعاميت: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الاسراء:١٠٢].

يقول ابن تيمية عند هذه الآية: لم ينكر الخالق في الظاهر إلا فرعون، وإلا فالأمم جميعاً أقروا بالخالق أنه الله.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧] وكفار قريش: أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف إذا ركبوا في السفينة، وأرسل الله عليهم الريح الصرصر، وتمايلت بهم السفينة، يقولون: الله الله، قال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥] أي: وقت الأزمات والشدائد، لكن إذا خرجوا إلى البر تساهلوا في مسألة لا إله إلا الله.

يوجد منا اليوم من يصلي ويصوم ويحج ويعتمر، لكن يخاف من البشر أعظم من خوفه من الله، كثير من الناس، يخاف من مرءوسه في العمل أن يحاسبه على تغيبه، ولكنه لا يستشعر مراقبة الله عز وجل، ولو خلا له الحال لفعل لأفاعيل، وما خوفه إلا من البشر، لا من رب البشر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>