للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قبول التوبة من العبد وإن عاد للذنب]

السؤال

إني شابٌ قد هداني الله عز وجل، ولكن المعاصي التي ارتكبها كثيرة، ثم أتوب بلهفةٍ وندم، ولكن لا أجلس على ذلك كثيراً ثم أعود وأرتكب المعاصي مرة أخرى، ولا أدري ماذا أفعل! أرجوكم أن ترشدوني إلى طريقةٍ تدلني إلى الطريق الصحيح، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

أنت أصبت كل الإصابة بأنك كلما أذنبت تتوب، وهذا واجب المؤمن، يقول ابن القيم: إن للمسلم أحوالاً ثلاثة لا بد أن يتقلب فيها:

حال الصبر، وحال الشكر، وحال الاستغفار، فاستغفارٌ عند الذنب، وشكرٌ عند النعمة، وصبرٌ عند المصيبة، فأفلح من إذا أنعم عليه شكر، ومن إذا أذنب استغفر، ومن إذا ابتلي صبر، فأنت من المحسنين في هذا الجانب؛ أنك كلما أذنبت استغفرت، وأما قولك: أنك تعود، فالذنب حتمٌ على العبد، لكن على العبد أن يخلص نيته في التوبة ليرزقه الله توبةً نصوحاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:٨] والتوبة النصوح قالوا: هي الخالصة من شوائب إرادة العمل لغير وجه الله، وقيل: النصوح التي لا رجعة بعدها، وفي سنن الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما أصرَّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة} وأورد ابن رجب في جامع العلوم والحكم عن ابن حبان من حديث عائشة قالت: {جاء حبيب فقال: يا رسول الله! إني أذنب، قال: تب إلى الله، قال: ثم أعود، قال: تب إلى الله، قال: ثم أعود، قال: تب إلى الله، قال: إلى متى يا رسول الله؟! قال حتى يكون الشيطان هو المدحور} فنحن أمرنا كلما أذنبنا أن نستغفر، وفي المجلد العاشر من الفتاوى لـ ابن تيمية في وصيته لـ أبي القاسم المغربي يقول: إن الذنب كالحتم على العبد، فعليه كلما أذنب أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل، وهذا واجب العبودية.

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أذنب العبد فقال: اللهم اغفر لي؛ غفر الله له سبحانه وتعالى وقال: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفر؛ أشهدكم أني غفرت له، أو غفر له سبحانه وتعالى، ثم عاد فأذنب فقال ذلك، فقال سبحانه تعالى هذه المقالة، وفي الثالثة يقول سبحانه وتعالى: فليعمل عبدي ما شاء} والصحيح في معنى هذه الكلمة: {فليعمل عبدي ما شاء} أنه ما دام أنه يُذنب ويستغفر ويتوب إلى الله؛ فإنه سوف يغفر له، ليس معنى ذلك أن يكون في نية العبد أن يذنب ثم يستغفر دجلاً وكذباً، وخداعاً ومكراً على الله عز وجل وفي نيته أن يعود، لا.

بل يكون في نيته التصميم على ألا يعود، فإذا وقع في الذنب فليتب مرة ثانية، وليحاول أن يتوب ولو عاد في اليوم سبعين مرة.

وعلامة الخير فيك أنك تحس بهذه الأمور، وأنك تحاسب نفسك، وأنك تريد الطريق إلى الله، فأبشر ثم أبشر {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفك ما علمتني الطلبا

<<  <  ج:
ص:  >  >>