للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الموقف الشرعي من الفرقة والشقاق]

أبا عبد الله! اعذرنا، فنحن سنتنقل في الأسئلة في موضوعات مختلفة الحقيقة أن المراقب للساحة يجد بلا شك فرقة وشقاقاً بين بعض الدعاة، أو بين كثير، يتمثل هذا الشقاق في الردود والنقد الموجه من بعضهم لبعض، وأنت تعلم أن قضية النقد مطلوبة، لكن النية في هذا النقد، أو طريقة طرح النقد هي المسألة التي قد يختلف عليها خاصة أنه يتعلق بشريحة عريضة من الشباب وعامة الناس فما الموقف الشرعي للمسلم أمام هذا الأمر؟

الجواب

على كل حال! الخلاف وارد، والاختلاف مذموم، والله عز وجل قد ذكر الخلاف وأقره، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم, والناس يحصل بينهم خلاف لاختلاف طبائعهم ومشاربهم, وفهومهم وأذواقهم، وما يتطلعون إليه لكن الاختلاف مذموم؛ لأن فيه فرقة وشقاقاً، وضعفاً للأمة، فالذي نشكوه نحن هو الاختلاف؛ وأن تكون النية الحادية للمخالف أو للمعترض أو للراد لغير وجه الله عز وجل، أو لا يريد الإصلاح، وإنما يريد بها التشفي، خاصة أن السلف الصالح حذروا من الأقران، ومن داء المعاصرة، ومن الحسد الذي وقعت فيه الأمم، فرأينا وشممنا أن بعض الناس يريد بنقده إسقاط الآخرين؛ لأنه -أحياناً- يتعرض لذنوبهم الشخصية، وعيوبهم وصفاتهم التي لا تعلق لها بالمسألة، ولا تعلق لها بالقضايا المطروحة فيعلم من ذلك ويفهم أن هذا لا يريد الإصلاح، وهناك مسائل نعرضها هنا منها:

أولاً: لماذا يطالب في النصح أن يكون سراً -وهذا هو المطلوب- لفئة، ولكن الفئة الأخرى تعلن عيوبها وذنوبها على المنابر؟! فنطلب السواء في هذا بأن تكون النصيحة سراً، إذا كان هو الأصلح والأنجح سواء للدعاة أو غيرهم.

ولماذا يسلط كشاف النقد ومجهر الجرح على الدعاة فقط، وعلى ما يمكن أن يغلطوا فيه، وهم لا يسلمون من الغلط، فهم ليسوا من المعصومين، ثم تترك فئات وشرائح من الناس هم أكثر ضرراً، وأكثر محاربة لله ولرسوله وللمؤمنين، كالباطنيين الإسماعيليين الذين يوجدون في جزيرة العرب، ولهم أطروحات كافرة ملحدة على طريقة ابن سينا والفتوى وغيرهما، أيضاً الصوفية الذين شوهوا صورة الإسلام، ولهم أطروحات، ولهم زوايا وقصائد، ومقاصير ومجامع، وأيضاً الرافضة ومشربهم المنحرف عن منهج الله، وأيضاً العلمنة وهي إطراح الدين، وإزواؤه في المسجد، ونبذه من الحياة، وهم يوجدون بثقلهم ووسائلهم وأطروحاتهم.

ومنها: الشهوانيون والفجرة وأهل المنكرات وكذلك أهل الحداثة فلماذا يسلم هؤلاء جميعاً ويبقى الدعاة هم أهل الاعتراض عليهم، والردود والجرح وتسجيل الأشرطة ضدهم، وتنغيصهم في مسيرتهم؟!

ثانياً: هل جُلس مع هؤلاء الدعاة، وعُرف ما عندهم، أو تلتمس له عذراً فما أعلم أنه جُلس معهم، واستمع رأيهم والتمس لهم العذر؟ فإن السلف يقولون: لا تبدأ أخاك حتى تعلم ما عنده، بل يفاجأ الواحد منهم بنزول مجموعة من الأشرطة والكتيبات والمنشورات ضده، وهذا محرم شرعاً، ومذموم طبعاً.

ثالثاً: لماذا لا تعد حسنات هؤلاء الأخيار الأبرار؟!

أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

والله قد طالب المسلم أن يكون عادلاً حتى مع خصومه من الكفار، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] فكيف بالمسلم الموحد؟ بل بالداعية؟ بل بالعالم الذي قصده الحق؟! لماذا لا تذكر محاسنهم مع العلم أن محاسنهم كالجبال، وغلطهم بسيط سهل ينغمر في بحار حسناتهم، ولذلك يقول الأول:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع

هذا هو المطلوب، وأنا أقول لإخواني الذين يتابعون هذه الردود: أن عليهم أن يشتغلوا بأنفسهم، وبتربية أرواحهم، وبالاشتغال بما يصلح الأمة، كطلب العلم الشرعي، وحفظ المتون، والاشتغال بتربية العامة ووعظهم، وفتح مدارس تحفيظ القرآن، وإهداء الشريط الإسلامي وأقول للذين يريدون أشرطة في فن الردود وحسب: أين الأشرطة في العقيدة، والآداب، والسلوك والسير والعبادة والمعاملة؟ إن هذا فيه وقفة ونظر، وإنه ينبئ عن مقصد الله أعلم به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>