للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم دخول المجالس النيابية]

العشماوي: جزاك الله خيراً نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وعلى أية حال لو كانت القضية قضية نقد بناء، فهي مطلوبة حقيقة، والردود بالحق مطلوبة، لكن لعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يصلح الحال.

السؤال

ننتقل إلى سؤال آخر، يبدو أنه يبتعد بنا قليلاً، لكن نريد أن نأخذ رأيك في هذا الأمر، ونحن نعيشه جميعاً، وهو ما يجري في العالم الإسلامي، حيث كثر القيل والقال والاختلاف حول دخول المجالس النيابية والبرلمانية في بعض أنحاء العالم الإسلامي، وذلك عن طريق الانتخابات فماذا ترون في هذا الأمر؟

الجواب

إن المسائل النظرية والاجتهادية التي لم ترد فيها نصوص قاطعة يجوز للعقل أن يجول فيها، ويجوز للإنسان أن يتحدث عنها، وأن يجتهد؛ لأنه لا يخالف إجماعاً، ولا يعارض نصاً، ودخول المجالس النيابية والانتخابات والبرلمانات مما تكلم فيه العلماء، فمنهم من حرم ذلك، ومنهم من أجازه، ولبعضهم أشرطة وكتب في هذا، وآخر من سمعت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في مجلة الإصلاح، تكلم فيها عن هذه القضية، وقبله الأستاذ عبد المجيد الزنداني له في ذلك شريط، والشيخ عبد المجيد الريمي، وكثير وكثير كالشيخ القرضاوي، وغيرهم من المشايخ والمفكرين والدعاة، ولذلك إن قلت قولاً في هذه المسألة فما أتيت بجديد، سواء كان خطأ أو صواباً؛ لأني مسبوق إلى هذه المسألة.

ولكن هناك بعض الضوابط: أولاً: أن العبد ينظر للأصلح، كما قيل:

إن اللبيب إذا شكا من جسمه مرضين مختلفين داوى الأخطرا

فينظر إلى المصلحة المتحققة من دخوله، أو من رفضه، فإن كان في دخوله هذا المجلس مصلحة للدعوة وللإسلام بقصد الاجتهاد ومشاورة الإخوان فلا يتوقف في ذلك، لأنه الأصلح بأن يكون له ثقل وميدان وقدم في العمل الإسلامي.

ثانياً: ألا تعمم هذه القضية على الجواز أو التحريم، فإن البلدان تختلف، وقد وجد في بعض البلدان والشعوب أنه لو لم يدخل الدعاة في المجالس والبرلمانات، لضربت الدعوة وسحقت تماماً، لأن الأنظمة قد تكون دكتاتورية ظالمة غاشمة بطاشة، فلو لم يدخل الدعاة بأسماء ومقاعد ليكون لهم ثقل ووزن وصوت وإلا فالدعوة سوف تجتاح، وقد رأينا ذلك وسمعناه وعرفناه، فمثل هؤلاء لا يتوقفون لأن في ذلك نصراً للإسلام وخيراً.

ثالثاً: هذه المسألة تختلف باختلاف الأشخاص الذين يمثلون الأمة أمانة وصدقاً وعلماً واطلاعاً، فالواجب أن يختار أحسن الناس.

رابعاً: أن ينتبه لمسألة ألا يتنازل عن شيء من دين الله عز وجل، الذي هو واجب، ولا أقصد المباحات أو الأمور التي يختلف فيها الناس، أو أمراً مستحباً في تركه مصلحة محققة, وإنما أقصد الواجبات أو الفرائض التي فرضها الله على عباده، أو عدم تحليل ما حرم الله عز وجل, فأرى أنه لا يتنازل بأي حجة كانت سواء لمسايرة أو ملاينة فإن هذا مداهنة محرمة بلا شك.

وعموماً فإن البلدان التي لا يحصل فيها صوت للإسلام إلا من خلال المجلس النيابي أو البرلمان أو الانتخاب؛ فإن للمسلم أن يدخل في ذلك، وهذا أمر مباح إن شاء الله، وقد قاله كثير من العلماء والفضلاء، وهو الأصلح للدعوة والدعاة في تلك البلدان، ولا يشترط لإعلاء كلمة الله أن يكون بعد قتال وجراح, وبعد أن تسيل الدماء، بل قد يكون هناك انتصار بالطرق السلمية التي ترتفع فيها راية الله، لأن المقصد أصلاً من الدعوة ومن المنهج الرباني أن تكون كلمة الله هي العليا، وليس المقصد أن يكون هناك جماعة ومؤسسة ووزراء ونواب ومقاعد، إنما المقصد أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فإذا حصل هذا بالطرق السلمية فهو أحسن وأوفر للمسلمين، وأقل خسائر، وأعظم فائدة، وهذا هو المرجو.

وبعض الناس من الخطوط الأخرى يطالبون بالجهاد، ويقولون: لا ندخل صناديق الاقتراع، ولا نريد البرلمانات يؤدي إلى أن تفصل الجماجم والرءوس، وأن تسيل الدماء، وأن تمتلئ المستشفيات بالجرحى، وبعدها يأتي النصر ويعتقد أن هذا هو الطريق.

ونقول: لا.

الطريق الأحسن هو الأسهل، والأقل خسائر، وهذا هو الأنجح إن شاء الله.

وقد يكون ذلك الطريق ضرورياً في بعض الأحيان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>