للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التوازن في حياة الداعية]

العشماوي: وعموماً هذا أسلوب جيد، ولابد أن نعرف ما عند الآخرين، والحقيقة أن الغرب لم يترك شاردة ولا واردة بالمعنى العام في جغرافية العالم والمجتمع الإسلامي، والعلاقات الإسلامية إلا وهي موجودة لديهم من خلال رجالهم ومكتشفيهم فهذه دعوة مباركة نسأل الله أن يجعل لها صدىً في قلوب المقيمين في أمريكا وأوروبا لعلهم ينفعون أمتهم بذلك إن شاء الله.

السؤال

التوازن في حياة المسلم مطلب شرعي، وقد حصل الاضطراب عند كثير من المسلمين في هذا الباب، فما التأصيل الشرعي لهذا التوازن، حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره؟

الجواب

الدليل الملخص لهذا التوازن: قوله صلى الله عليه وسلم: {إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه} فعلم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يطالب المسلم أن يكون متزناً فيما يعيشه وفيما يزاوله, وأن يكون مؤدياً للحقوق، منضبطاً في أموره كلها، لأننا نجد انحرافاً في مناهج بعض الناس وحياتهم، فتجد بعضهم يغلب جانب الدعوة حتى يهمل أهله تماماً فيعيشون في حالة مريرة من البؤس، بحجة أنه يدعو ويهدي الناس، وقد ترك من الواجبات ما هو أعظم.

وبعضهم ينصرف إلى أهله تماماً وإلى ذاته، ويترك الدعوة والأمة وآخر ينصرف إلى العبادة، فيستغرق وقته في العبادة، حتى يترك الأمر والنهي، ويترك التعلم والتفقه في الدين، وزيارة الأقارب، والوقوف مع المنكوبين من المسلمين والبعض الآخر يشتغل بالتأليف على حساب تعليم الناس، أو تفقيه أهله، أو على حساب القيام بالنفس.

وآخر يهتم بنفسه وجسمه، فهو ينعمها -صراحة مع الاحترام- كما تنعم الدابة، ويلغي عقله، ولا يشتغل بروحه، والمعلوم أن القوت:

وقوت الروح أرواح المعاني وليس أكلت ولا شربتا

فالإسلام يطالب المسلم أن يكون متزناً، وأن يجعل لكل شيء وقتاً، ولكل مقام مقالاً.

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى

وأضرب أمثلة من حياة الدعاة: لماذا لا يكون الداعية عالمياً، وربانياً؟ ساعة يمارس شيئاً من الأذكار والأدعية بعد أداء الفرائض، وساعة للاطلاع في الكتب والاستزادة من المعرفة، وساعة للجلوس مع الأهل، وإعطائهم حقهم، وزيارة الأقارب والمرضى وأهل البؤس، ومشاركة الإخوان في الخير؛ حتى يكون يومه كله حافلاً بالبركات، ويدخل الجنة من أبوابها الثمانية كما فعل أبو بكر، وما دخل منها جميعاً إلا لأنه سلك جميع المسالك، ثم يقول ابن القيم: له في كل غنيمة سهم فهو في باب الجهاد أول المجاهدين، وعند الصلاة في الصف الأول، وفي الذاكرين أولهم، وفي الصائمين رافدهم وقائدهم، فهو في المقدمة دائماً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>