للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ضرورة القول السديد في الرد على المخالف]

المسألة الرابعة عشرة: إن علينا أن نتقي الله في الألفاظ عند الردود والكتابة، فإن الحكام والمحدثين وقفوا على شفير جهنم، فهؤلاء في الدماء وأولئك في الأقوال، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١] والقول السديد: هو الحكم الحق، والقول الذي لا يلحقك من الله عز وجل عليه تبعة، وإن الكتابة التي يكتبها صاحبها بدون بينة ولا برهان، أو يكتبها لانتقام أو تشفٍ هي من القول غير السديد الذي يحاسب عليه.

والقول السديد: هو الحق والصواب، وقيل: القول السديد: هو قال الله وقال رسوله، وقال بعض المفسرين: القول السديد: لا إله إلا الله، وهي أم القول السديد، ولكن كل ما يندرج تحت لا إله إلا الله هو القول السديد، ولا تصح الأعمال إلا بإصلاح الأقوال، حتى إنك تجد أن من يتشفى بأغلاط الناس ويتتبعها, يشهر به الله عز وجل.

تجد بعض العلماء الذين نكتوا على بعض العلماء ولاحقوهم وسخروا منهم، ألحق بهم الله من يسخر منهم, حتى قالوا في ترجمتهم: وكان الجزاء من جنس العلم.

وأضرب مثلاً -على أني أسأل الله أن يغفر له وأن يجمعنا به في دار الكرامة، لكن هذا مجرد مثل- الإمام ابن حزم على ذكائه وقدرته وعبقريته، لكنه يسمى منجنيق المغرب، كان يرمي كل أحد، ولا يهاب أحداً، حتى العلماء الكبار والصغار، وليس عنده إلا سور الصحابة، فقد وقف عند سور الصحابة ولم يتجاوزه لكن كبار أهل المذاهب والعلماء، وكبار المحدثين ما سلم منه إلا القليل رحمه الله, فماذا كان الجزاء؟ هو نالهم باللسان فنالوه بالأيدي، أخذوه المالكية، فحرقوا كتبه في البادية وضربوه وشردوه عن أوطانه، ثم ردوا عليه الردود, فكان الجزاء من جنس العمل.

لكن من يحترم الأعراض -أعراض المسلمين- ومن يداري عنهم بالكلمات يحمي الله عرضه، وأضرب مثلاً بسيطاً ولا أريد به محاباة ولا مجاملة، ولكن أحتسبه عند الله عز وجل، عالم الأمة سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز , انظر كيف وقرت الألسن جلالته وسماحته، وتحامت الأقلام أن تناله، لأنه في مكانه لا ينال أحداً ويريد الإصلاح، وجمع الشمل، ويدفع الأمور بالتي هي أحسن، فجازاه الله عز وجل بأن نشر له الثناء الحسن، والقبول الحسن، فتجد حتى فسقة الناس يحمون جنابه، ويقدرونه، ولسان حالهم يقول: من تقمص قميصاً ألبسه الله ذاك القميص، وبعضهم يقول: من تطوق برداء طوقه الله بردائه، فالجزاء من جنس العمل.

فتجد الذين يحرصون على الردود والتشهير والمخالفة تسرع إليهم السهام من كل جهة، لأن الله سبحانه وتعالى يحاسبهم بما فعلوه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:١١٥] صدقاً في الأقوال، وعدلاً في الأحكام.

أيها الإخوة: نحن الآن لسنا في جزيرة نائية منقطعة عن العالم, بل أصبحنا نعيش في أتون العالم، وأصبحنا في كون ممتلئ بالشرور والأفكار المخالفة الكافرة والأطروحات الملحدة، وأصبح علينا لزاماً أن نجتمع جميعاً وننجو بأنفسنا، وإلا فإن المد الكافر سوف يلحقنا، ونحن نختصم فيما بيننا في جدل عقيم بيزنطي لا ينفعنا في الدنيا ولا في الآخرة.

أنا أدعو الأقلام التي ضيعت أوقاتها، وضيعت مدادها في الرد على أولياء الله؛ أن ترد على أعداء الله، وأنا أدعو أصحاب الأصوات التي شحبت وهم يتكلمون على إخوانهم؛ أن يتقوا الله في إخوانهم، وأن يتوجهوا لهؤلاء الذين انحرفوا عن منهج الله سبحانه وتعالى.

أيضاً: أنا أعتبر أن من يشغل إخوانه عن جهاد الكفرة، وجهاد هؤلاء الأحزاب الضالة بأنه مثبط، وفيه نفاق، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال عن المنافقين والملحدين ومن على شاكلتهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:٥٠] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:٥٢].

فأسأل الله عز وجل أن يحفظنا وإياكم وأن يجمع شملنا على الحق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>