للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مرض النبي صلى الله عليه وسلم]

ويوم الخميس، وما أدراك ما يوم الخميس؟!

يوم زار المرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هذا اليوم شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: بأبي هو وأمي زاره المرض يوم الخميس.

نعم، بأبي هو وأمي، وليت ما أصابه أصابنا، فإن مصابه رزية على كل مسلم، ولكن رفعاً لدرجاته وتعظيماً له عند مولاه.

ذكر ابن كثير بسند جيد قال: كان ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يقلب الحصى في المسجد الحرام ويقول: [[يوم الخميس، وما يوم الخميس -وهو يبكي- يوم زار المرض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم]].

فديناك من حب وإن زادنا كرباً فإنك كنت الشمس في الشرق أو غربا

وكان الصحابة يفدونه صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد} حيث أحبابنا وأجدادنا وآباؤنا وإخواننا، الذين نمر عليهم صباح مساء، ومن لم يعتبر بالأموات والمقابر فبماذا يعتبر؟ ومن لم يتعظ بمن يودع ومن يحمل إلى المقبرة صباح مساء فبماذا يتعظ؟

إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندب

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب إذا حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب

ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب

وعاد عليه الصلاة والسلام وهو معصوب الرأس، فتقول عائشة وقد فجعت رضي الله عنها وأرضاها: {وارأساه! قال عليه الصلاة والسلام: بل أنا وا رأساه} وصدق صلى الله عليه وسلم، فإن صداع الموت قد وصل إلى رأسه الشريف ثم يلاحق، وهذه رواية البخاري فيقول: {والله لولا أن يتمنى متمن أو يدعي مدع لأرسلت إلى أبيك وإلى أخيك فأكتب لهم كتاباً} أي: أبا بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر يكتب لهم كتاب الوصاية، والله أعلم بذاك الكتاب، ثم لما أحس صلى الله عليه وسلم بدنو الأجل، وهذا عند أحمد في المسند بسند حسن عن أبي مويهبة قال: قال لي صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس: {يا أبا مويهبة! أسرج لي دابتي، فأسرجت له دابته عليه الصلاة والسلام، فركبها فذهبت معه حتى أتى الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، وقال: أنا شهيد عليكم أنكم عند الله شهداء، ثم قال: يا أبا مويهبة! خيرت بين البقاء وأعطى مفاتيح خزائن الدنيا وبين لقاء الرفيق الأعلى، قال: أبو مويهبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله! خذ مفاتيح الدنيا، وأطل عمرك في الدنيا ما استطعت، ثم اختر الرفيق الأعلى، فقال عليه الصلاة والسلام: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى}.

وعند البخاري في الجنائز من حديث عقبة بن عامر قال: {خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما وصل الشهداء في أحد، فسلَّم عليهم سلام المودع، ثم قال: يا أيها الناس: والله ما أخاف عليكم الفقر، ولكن أخاف أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم} وصدق عليه الصلاة والسلام، فو الله ما قطعت أعناقنا إلا الدنيا، وما أفسد ديننا إلا الدنيا، وما ذهب بأخلاقنا وآدابنا إلا الدنيا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>