للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الله]

الرسول عليه الصلاة والسلام يراعي التأهيلات والقوى عند الناس فيوجههم إلى الأمور التي يمكن أن يبرعوا فيها، يأتي إليه عبد الله بن بسر، كما في الترمذي بسند حسن وإذا هو شيخ كبير يتكئ على عصاه، فتر من كبر سنه، فماذا عسى أن يقول له صلى الله عليه وسلم؟ هل يقول له: جاهد في أفغانستان، أو في فلسطين؟ لا {قال: يا رسول الله؛ إن شرائع الإسلام كثرت علي، فأخبرني بباب أتشبث به من الأعمال -الصلاة شاقة عليه، الصيام كليف عليه- فقال له عليه الصلاة والسلام: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} لأن الذكر يلائم أهل البنية النحيلة، والذين لا يستطيعون المدافعة ولا المصاولة ولا المجاولة.

يقول ابن تيمية في وصيته لـ أبي القاسم المغربي: واعلم أنه كالإجماع بين العلماء أن الذكر أفضل وأيسر وأسهل عمل، وصدق رحمه الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصي هذا بالذكر، وإن كان من وصية فالله الله في ذكر الله، فإنه والله الباب الذي يفتح على الله عز وجل، إنه الغفران والسكينة، إنه باب المعرفة والتوبة.

يقول ابن القيم في روضة المحبين: يقول تقي الدين بن شقير: خرجت وراء شيخ الإسلام ابن تيمية فلما أصبح في الصحراء من حيث أراه ولا يراني، نظر إلى السماء ثم دمعت عيناه، ثم قال: لا إله إلا الله، ثم قال:

وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا

إن الذكر أعظم ما يمكن أن يتقرب به إلى الله، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يوصي به فيما يقارب سبعين حديثاً صحيحاً وحسناً، ولذلك يقول ابن رجب عن أبي مسلم الخولاني الذاكر العابد، كانت لسانه لا تفتر من ذكر الله:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس

يقول: دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية، فإذا أبو مسلم يتمتم بلسانه، فظن معاوية رضي الله عنه أن الوسواس قد أصاب أبا مسلم، قال: أجنون هذا يا أبا مسلم؟ قال: بل حنون يا معاوية.

حنون إلى الله، حنون إلى روضات الخير والذكر، التي أوجدها الله عز وجل، وأبو مسلم -بالمناسبة- هو الذي وقف موقفاً حازماً أمام الطاغية الكذاب الأثيم الأسود العنسي، يوم ادعى النبوة وذكر أن جدته أوحت إليه بطلاسم وخزعبلات من الإفك والدجل والكذب على الله، فقال له الأسود العنسي: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أشهد أنك من الكذابين الثلاثين الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فجمع له حطباً، وأوقد له ناراً، وألقاه في النار، لكن سلالة أهل التوحيد، وسلالة إبراهيم عليه السلام ما انقطعت أبداً.

قال وهو يلقى في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل، فإذا بعناية الله التي كانت لإبراهيم تتكرر ثانية: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] وكانت برداً وسلاماً على أبي مسلم الخولاني، فاستقبله الصحابة لما نجا من النار، قال الأسود العنسي: هذا ساحر أخرجوه من اليمن، واستقبله عمر بحفاوة أيما حفاوة، وقال: حيهلاً بمن جعله الله شبيهاً بإبراهيم الخليل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>