للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الزهد في الدنيا]

أما أروع حديث في الزهد فهو لـ ابن عمر في البخاري، يقول: كنت في السوق، فأخذ صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: {يا عبد الله! كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} فارتسمت هذه الكلمة في ذهن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، نسي كلام الناس إلا هذه الكلمة {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} فكان غريباً بمعنى الكلمة، ترك كل شيء بمعنى الغربة التي يريدها صلى الله عليه وسلم، حتى كان يسجد في الحرم ويمرغ وجهه وهو يبكي ويقول: [[اللهم إنك تعلم أني ما تركت الخلافة لقريش إلا من مخافتك]] إي والله، وإلا فباستطاعته أن ينال الخلافة، فإنه ابن عمر بن الخطاب:

نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا

فترك هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} فكان دائماً غريباً في ملبسه وخلطته وكلامه، وبيته، وكان غريباً في منهجه، يقول: ما شبعت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر سنة، يأكل دون الشبع وفوق الجوع، أورد ذلك ابن رجب في جامع العلوم والحكم.

ولذلك أتاه رجل من أهل العراق، فما وجد هدية إلا جوارش، والجوارش حبوب تحبب الأكل إلى الإنسان ليأكل أضعاف ما كان يأكله، لئلا يبقي شيئاً في الصحفة ولا في القدر، فأتى لـ ابن عمر رضي الله عنه وقال: هذه جوارش يا عبد الله قال ابن عمر: وما الجوارش؟ قال: حبوب تحبب لك الأكل، وتضريك على الطعام، قال: والله ما شبعت منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريدني أن أشبع الآن؟ فلسنا في هذا الكلام، ولا في هذا المنهج، ولكن انظر كيف وجهه صلى الله عليه وسلم إلى الزهد في الدنيا عامة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>