للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حال المسلمين مع القرآن]

قال بعض أهل العلم: من أعظم فوائد الصلاة أنها تنظم الأوقات، وجرب ذلك، فإنك إذا قلت في نفسك سوف أقرأ بعد كل صلاة جزءاً من القرآن، أو نصف جزء تنظم لك ذلك، ولا يأخذ منك إلا ربع ساعة، أو ثلث ساعة، وإذا كلفت نفسك أن تقرأ بعض الصفحات من الكتب بعد الصلوات تنظم لك ذلك، وجرب ذلك، فالصلوات الخمس هي أعظم ما ينظم به الأوقات.

أما وقت الحفظ فهو وقت الفجر، فهو وقت البسمات الرضية، وقت النداء على الكون، وقت الطل الباسم، وقت التفتح، وقت الفجر يوم تبسم للمعمورة وذهنك ينطلق بإشراق إلى الكون، هذا وقت الحفظ، وأنت إذا لم تجعل من مهماتك الكبرى في الحياة ومن مشاريعك الصادقة حفظ القرآن، فكأنك ما فعلت شيئاً.

سبحان الله! العجم يحفظون القرآن، ويدرسون أبناء العرب في بلاد العرب، ونحن نقرأ عليهم كأنا عجم، يعلمونا كيف تنطق الضاد والزاي والذال، وننطق كأنا عجم ونتلعثم بين أيديهم.

نحن أبناء طلحة والزبير وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ما جئنا من طاشقند ولا سمرقند، لكن أصبح أهل سمرقند يدرسوننا القرآن في المساجد ولا نفهم، ويضربوننا بالسياط ولا نعي، ونقول: عفواً يا شيخ نحن ما درسنا هذا القرآن.

والقرآن نزل بلغتنا نحن، نزل علينا نحن وما نزل في سمرقند لكن كما قال الله عز وجل: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين} [الأنعام:٨٩].

لما تركنا القرآن، وملنا إلى المجلات الخليعة، وإلى الكتب الحداثية الحديثة الرخيصة المنمقة، التي ليس فيها علم: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:٤٠].

وإلى الأغنية المائعة الرخيصة، ما عرفنا نقرأ (طه).

وأحدهم أتى يقرأ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:١] فقال: ألف لام تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، أصبحنا عجماً لأننا لم نفهم، أنا لا أقول في هذا المكان، لأني أعرف أن فيكم من يفهم كثيراً، ومن يستطيع أن يؤهل ليقود أمة لكن من يعرف ويخالط كثيراً من المجتمعات يعرف هذا الأمر، حتى أن الواحد يبلغ ستين سنة في القرية ولا يستطيع أن يحفظ الفاتحة، يقفز من آية إلى آية، وقد سمعت أن بعض الدعاة قام في قرية يدرسهم ويعلمهم الفاتحة فأبوا ذلك، فقد انغلقت أذهانهم، وما استطاعوا لهذه المهمة الكبرى، أتى من هنا ليحفظهم ويقفزون من الآية الأولى إلى الآية السادسة من الفاتحة، ويأتي من هنا فأبوا، وفي الأخير وجد حلاً قال: تعالوا، فأتى بشيوخ القرية كبارهم، يعني أنهم لا يفهمون كثيراً، فقال هذه سبع غنم، والفاتحة سبع آيات، بسم الله الرحمن الرحيم، ستتذكرون بسم الله بالغنم، الحمد لله رب العالمين هذه، الرحمن الرحيم هذه، مالك يوم الدين هذه، حتى انتهى، ثم ذهب من عندهم؛ وقد أخبرني بعض الدعاة في الرياض وهذا الداعية لا يزال حياً، قال: فلما ذهب، وكان الداعية هذا فيه خير وطيبة، ثم ماتت الشاة بعد أن سافر بحفظ الله ورعايته، فقام إمامه يقرأ فقفز آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] فرده أحدهم، وحاول رده في الصلاة وبعد الصلاة وقال: كيف تردني وقد ماتت، يعني: ماتت الآية مع موت الشاة.

فنحن نحتاج إلى أُسس تقليدية في أكثر من هذه أو إلى رسوم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالبدو يوم يأتونه، أنا أقول حفظ القرآن أهملناه كثيراً.

يوم سمعنا لـ ديكارت الفرنسي وأمثاله عندما قالوا: إن عصر الحفظ ولى وأصبح عصر الفهم، فلا فهمنا ولا حفظنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>