للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القرآن يعالج الكفر بالبعث والنشور]

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السموات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير.

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ باني صرح الفضيلة، ومزعزع كيان الرذيلة، وصاحب الشفاعة والوسيلة والأخلاق الجميلة، والمناقب الجزيلة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أيها الناس: كانت العرب قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام لا تؤمن بالبعث والنشور، وترى أن اليوم الآخر خرافة، وأن البعث بعد الموت أسطورة، وأن النشور من القبور خيالٌ لا يمكن أن يصدق، وأكذوبة تأباها العقول، فأتى عليه الصلاة والسلام يعالج هذه القضية ليل نهار، فاستهلكت نصف دعوته.

كان القرآن إذا ذكر الإيمان بالله وحده ذكر الإيمان باليوم الآخر، وعالج القرآن هذه القضية مرة بالمصارحة بدمغ الباطل والشرك قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧].

ومرة بالاستنتاج والمقارنة قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:٩ - ١١].

ومرةً ثالثة بضرب الأمثلة والقصص العظيمة التي تبين لنا كيف يحيي الله الأموات، أما الكفار فرفضوا رفضاً قاطعاً أمام الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤمنوا باليوم الآخر، قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤] يموت بعضنا، ويولد بعضنا، ويميتنا الدهر؛ وليس هناك يوم آخر ولا بعث ولا نشور {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون:٨٢] أهذا كلام يصدق؟ أإذا أصبحنا رفاتاً وحمماً ورماداً من يعيدنا لنكون أحياء؟

ويأتي المجرم الكبير العاص بن وائل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وتبلغ به السخرية والاستهزاء والتبجح على الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أن يأتي بعظم أجوف -عظم إنسان- فيحتُّه أمام الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ثم ينفخه أمام الوجه الشريف، والعينين الجميلتين، ويقول: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن كان رفاتاً؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {نعم.

ويدخلك الله النار} السؤال واحد بجوابين، كان الجواب أن يقول: نعم.

أو لا، لكنه قال: {نعم.

ويدخلك الله النار} فيأتي جواب القرآن صريحاً، صادقاً، عظيماً قوياً قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:٧٨] ولم يسم من ضرب المثل؛ لأنه تافه حقير صغير {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:٧٨] من يعيدها يوم تصبح رفاتاً وتراباً، ورماداً؟! {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٨ - ٧٩] الذي خلقها من العدم، وأوجدها بعد أن لم تكن شيئاً، هو المتكفل بإعادتها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لتكون أمةً جديدةً حية تحاسب بين يدي الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>