للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو بكر الصديق رضي الله عنه]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أيها المؤمنون: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

هذا درس رمضاني بعنوان: "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"

وهؤلاء الرجال هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، وأئمة أهل الإسلام.

أولاً: الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وأبو بكر أول الخلفاء الراشدين وأول العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم.

أبو بكر لم يملك شيئاً من ميزات الدنيا إلا أنه عبدٌ لله، وكان أول من أسلم من الرجال، وقدَّم ماله للرسول صلى الله عليه وسلم حتى كان صلى الله عليه وسلم يقول: {لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرحمن} عليه الصلاة والسلام.

هو تيمي من قريش، لم تكن أسرته بتلك القوية العريقة، ولكن رفعه إسلامه وإيمانه، يقول عمر: قلت في نفسي لأسبقن أبا بكر هذا اليوم، فأخذ نصف ماله فذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال-: يا رسول الله! خذ هذا النصف من المال، قال: ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم نصف المال، فجاء أبو بكر فتصدق بماله كله، فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال عمر: والله لا أسابق أبا بكر بعدها أبداً.

وكما هو معلوم أن النار لها سبعة أبواب أعاذنا الله من النار {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:١٩٢].

وللجنة أبواب ثمانية؛ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الداخلين من تلك الأبواب.

بشرى لنا معشر الإسلام أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما بين المصراع والمصراع في الباب الواحد كما بين أيلة إلى صنعاء -وأيلة هي بيت المقدس الذي يرضخ اليوم تحت الاحتلال، هذا مقدار الباب الواحد- وإنه يأتي يوم القيامة وهو كظيظ من الزحام} فنسأل الله أن يجعلنا ممن يزاحم في ذاك الباب، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {إن للجنة أبواباً ثمانية فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة} يعني من أكثر من الصلاة حتى اشتهر بها، ولا يقصد مجرد الصلوات الخمس؛ لأن كل إنسان يصلي الصلوات الخمس، لكن يقصد عليه الصلاة والسلام الذي يتنفل حتى يعرف بالصلاة، قال: {فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! أيدعى أحد من تلك الأبواب الثمانية؟ قال: نعم.

وأرجو أن تكون منهم} هو يدعى يوم القيامة من الأبواب الثمانية، هو أول المصلين، ومع الصائمين في أولهم، ومع الذاكرين في مقدمتهم، ومع المجاهدين رضي الله عنه وأرضاه.

وفي الأثر المشهور: والله ما فاقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بإيمان وقر في قلبه، فميزة أبي بكر على غيره من المسلمين أنه يعبد الله كأنه يراه، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد أنه قال وهو على المنبر: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إني لأذهب إلى الخلاء فأضع ثوبي على وجهي حياءً من الله]] بلغت منزلة مراقبته لله أنه يستحي منه في وقت قضاء الحاجة، لأنه يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهذه درجة الإحسان.

وقد امتاز أبو بكر رضي الله عنه كذلك بالخشية، وهذا الذي ينبغي أن نستحضره في هذا الشهر الكريم، خشية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأن المقصد من الصيام والصلاة هو خشية الله تبارك وتعالى، فامتاز أبو بكر من بين الناس بشدة خشيته لله، يذكر عنه الإمام أحمد في كتاب الزهد يقول: دخل أبو بكر مزرعة رجل من الأنصار بعد موت الرسول، وفي أثناء دخوله إذا بطائر يطير من شجرة إلى شجرة، فجلس أبو بكر يبكي، قال له الصحابة: مالك يا خليفة رسول الله؟ قال: ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت طائراً أرد الماء وأرعى الشجر ثم أموت لا حساب ولا عقاب

فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيٍ

ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيّ

ومن ميز الصالحين هضم النفس، تجد المصلي الصائم المتصدق العابد يهضم نفسه، وتجد المعجب المغرور المنافق يمدح نفسه، قال البخاري في كتاب الصحيح: وقال الحسن البصري: "ما خافه -أي النفاق- إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق".

<<  <  ج:
ص:  >  >>