للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإمام مالك والشافعي في رمضان]

وكان مالك إمام دار الهجرة إذا دخل رمضان أغلق كتبه، وامتنع عن الفتيا، وأقبل على القرآن، وذكر ابن حجر بسند صحيح أن الشافعي كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة وأنا لا أتكلم عن سنية ذلك، لكن عن وروده عن الشافعي بالذات، وذكر الحافظ أيضاً عن البخاري أنه كان يختم القرآن في رمضان ثلاثين مرة، وكان الإمام أحمد يختمه في كل أسبوع، فإذا دخل رمضان ختمه في الأسبوع مرتين: في الليل مرة وفي النهار مرة.

وكان عليه الصلاة والسلام يعرض القرآن مع جبريل الذي نزل عليه بهذه الآيات البينات في رمضان مرة، فلما كان آخر رمضان يعيشه صلى الله عليه وسلم عرضه عليه ودارسه مرتين، وكان عليه الصلاة والسلام يجود في رمضان أكثر من غيره، الجود من العدم، والجود من الفقر

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود

يقول: وفي مسند أحمد بسند صحيح عن جابر، قال: سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {لا، وأستغفر الله، وأستغفر الله} أي: أستغفر الله من (لا) لأنها كلمة صعبة

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

جاء عند البخاري من حديث سهل بن سعد، قال: {أهدت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوباً، فقالت: يا رسول الله! هذا الثوب نسجته لك.

فأخذه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، فعرض له رجلٌ، فقال: يا رسول الله! أعطني هذا الثوب.

فدخل صلى الله عليه وسلم البيت، وخلعه ولبس ثوباً آخر وأعطاه الرجل، فقال الصحابة للرجل: فعل الله بك وفعل، لبسه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه، ثم سألته هذا الثوب، وتدري أنه لا يرد أحداً! قال هذا الرجل: والله ما سألت هذا الثوب إلا ليكون كفني، فكان كفنه} وما أحسن الكفن! كفن لبسه صلى الله عليه وسلم، كفن مس بشرته، ووضع على جنبه.

ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا

وما ذاك إلا أن هنداً عشية تمشت وجرت في جوانبه بردا

وكان صلى الله عليه وسلم يعيش رمضان دعاءً منقطع النظير، وقد جاء عند أبي داود بسند صحيح: {للصائم دعوة لا ترد} وهي قبل الإفطار، إذا ظمئت كبدك، وجاع بطنك، وأحسست بحرارة الجوع ولمن جعت وظمئت وتعبت وسهرت؟ كل ذلك لله.

إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم

فقبل الغروب وقبل أن تأكل التمرات وتشرب الماء، ارفع يديك، ثم ادع بما تيسر لك دعوة لا ترد {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦].

<<  <  ج:
ص:  >  >>