للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وسائل تعلم الخطابة]

السؤال

فضيلة الشيخ! حفظك الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أحب أن يكون لي دور في المجتمع في مجال الخطابة، ولكني أجد في نفسي العجز عن ذلك، فماذا أعمل حتى أصل إلى هذا الهدف الطيب، وجزاك الله خيراً؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أولاً: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

يا رياض الخير قد جئتُ وفي جعبتي أبها بلقياكم تسامى

حلَفَت لا تشرب الماء ولا تأكل الزاد ولا تلقى مناما

أو ترى الأحباب في نجد فإن لم تجدهم صار ممساها حراما

فسلام الله أهديه لكم يا رجال النبل في نجد الخزامى

أنا قد أحببتكم في الله ما كان قلبي في سواه مستهاما

ثانياً: أما هذا السؤال، وهو أن الأخ يسأل كيف يكون خطيباً مطبقاً أو خطيباً حاذقاً أو فاهماً وموجهاً في الأمة.

الخطابة هي قبل كل شيء موهبة من الله عز وجل؛ ولكنها تحسَّن، ولها وسائل تحسين وتدريب ورياضة حتى يصل الإنسان إلى مبتغاه، والمقصد أن المسلم ينبغي أن يكسب بعمله وجه الله عزَّ وجلَّ، والله تبارك وتعالى يوزع المواهب والتخصصات على الناس، فما كل واحد إلا وله تخصص، بعضهم كاتب، والآخر خطيب، والثالث شاعر، والرابع مفتي، فالمقصود أن تخدم الإسلام بالدعوة أينما كانت الدعوة.

والصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا كلهم علماء، ولا مفتين، ولا خطباء، وإنما كان فيهم الخطيب كـ ثابت بن قيس بن شماس، فاستخدم خطابته في نصرة (لا إله إلا الله) وفي الدعوة إلى (لا إله إلا الله) ومنهم الذي ليس بخطيب ولكنه مقاتل كـ خالد بن الوليد سيف الله المسلول، فاستخدم سيفه في نصرة الإسلام، ومنهم الشاعر كـ حسان أخذ القوافي يرسلها كالصواعق على رءوس الملاحدة والزنادقة والفجار.

إذاً: فعليك أن تعرف تخصصك الذي يمكن أن تخدم الإسلام به، فإن الله عزَّ وجلَّ سوف يسألك عما وهبك من الكتابة، ومن الأدب، ومن الخطابة، ومن العلم، فأخلص مقصدك لوجه الله عز وجل.

أما الخطابة فتعتمد على أمور:

الأمر الأول: أن يخلص، وأن يدعو الله ويسأله القبول والصدق، فإنه هو الذي يفتح سبحانه وتعالى؛ ولذلك ذُكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان إذا أراد أن يتحدث قال: اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول وبك أقاتل وبك أحاور، وكان يكثر من الاستغفار كثيراً ليفتح الله عليه.

الأمر الثاني: الجرأة: ولذلك يقول ابن قتيبة في عيون الأخبار: الخطابة عند العرب تُبنى على الجرأة، وهي: أن تكون جريء القلب، جريء الجنان شجاعاً؛ لأن مقابلة الصفوف ليست بسهلة، ومقابلة الناس صعبة، فهذا يأتي بأن تدرب نفسك على الخطابة، وعلى الإلقاء، وعلى الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وأن تخرج إلى القرى وإلى الضواحي فتدعو الناس، فسوف يرزقك الله القبول سبحانه وتعالى، وسوف يهدي على يديك، وسوف يكون لك باعٌ في الخطابة.

ويؤثر أن عبد الملك بن مروان، ذُكر عنه في تراجمه: أن أبناءه قالوا: نراك شاب رأسك ولحيتك، قال: من صعودي المنبر يوم الجمعة، أعرض عقلي على الناس.

وذكر ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين: أن أحد الخطباء استقل المنبر ليتكلم، فأراد أن يقول: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فقال: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فرد عليه الناس، قال: والله لقد تقاللت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات!

الأمر الثالث: التحضير: فلا يمكن أن يتكلم الإنسان بطلاقة إلا بعد أن يبلغ من العمر عتياً، أو يصل إلى الأربعين، وفي صحيح البخاري: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى سقيفة بني ساعدة قال: [[فزوَّرت كلاماً في صدري]] أي: هيأه ليتكلم به عند الأنصار في سقيفة بني ساعدة.

فعلى المسلم أن إذا أراد أن يتكلم أن يحضر العناصر في ذهنه أو الموضوع، أو يحفظ الآيات والأحاديث، فلا يأتي مباشرة فيتكلم فيأتي بكلمة من البر وكلمة من البحر.

الأمر الرابع: على الخطيب أن يستقرئ أحوال الناس، فيعرف المقام الذي يتكلم فيه، فلا يتكلم في مجتمع ليسوا بحاجة إلى الكلام، مثل أن يذهب إلى أهل البادية الذين لا يعرفون التوحيد وهم واقعون في الشرك، فيتكلم في البنوك الربوية، وليس عند أهل البادية بنوكاً ربوية، أو يأتي إلى مجتمعات مرتكسة في الضلال فيتحدث لهم في جزئيات، إنسانٌ ما أسلم ولا عرف (لا إله إلا الله) ولا أنواع التوحيد، فيتحدث له عن إسبال الإزار، وعن تحريم حلق اللحى.

الأمر الخامس: أن يراعي الموقف فيعطي الناس ما يشتهون، فإن كان في خطبة جمعة فعليه أن يقصر ويوجز، وأن يطرق الموضوعات المهمة، وإن كان في درس فعليه أن يطيل وأن يتوسع بقدر الحاجة.

أما أمور الصوت، والنبرات، والنغمات، فهذه أمور أخرى.

ومِن أحسن ما كُتِب في الخطابة: كتاب الخطابة مفهومها ودلالتها أو نحو هذا العنوان، للشيخ محمد أبي زهرة وهو من أحسن الكتب في ذلك إن شاء الله، وفيه فوائد، لولا بعض الملاحظات فيه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>