للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نعيم الابتلاء]

{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:٨] النعيم: نعيم الابتلاء وهذا لا يعرفه إلا قليل من الناس، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:٣١] قال: الفضيل بن عياض: [[اللهم لا تبلونا فتفضحنا]].

بعض الناس إذا ابتلاه الله افتضح، فالستر الستر! ولذلك أحسن الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١]

ابتلي الصالحون فرفع الله درجاتهم بالابتلاء، وأولهم الأنبياء.

مرض أيوب عليه السلام مرضاً عظيماً سنوات عديدة، فلما أتاه الزوار قالوا: ادع الله أن يشفيك، قال: شافاني الله أربعين سنة، وأمرضي ثماني عشرة سنة؛ فإذا تساوى البلاء والعافية دعوت الله عز وجل.

ونحن يمرض الواحد منا أياماً قليلة فيقول: طوَّل بي البلاء؛ دخلت المستشفى من شهرين وأنا طريح الفراش، وأين وأنت بالعشر، عشرين، ثلاثين، أربعين سنة تأكل صحيحاً معافى، أما حسبت هذا الوقت أما تذكرت هذا الزمن أما حاسبت نفسك على هذه النعم.

وذكروا عن عمران بن الحصين: أنه مرض ثلاثين سنة، فما شكا ولا اكتوى حتى صافحته الملائكة -كما في الإصابة وغيرها- بأياديها، لأنه شكر نعمة الله.

وكثير من الصالحين عدُّوا الابتلاء نعمة قطعت رجل عروة بن الزبير من فخذه، ونشرت وهو في الصلاة فقال: [[اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً، وأعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، فلك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا]].

وابتلي كثير من الناس منهم أبو ذؤيب الهذلي مات له سبعة من الأبناء فيقول:

والنفس راغبةٌ إذا رغبتها وإذا تُرد إلى قليل تقنع

والابتلاء نعمة إذا قدرها العبد لكن إذا تسخط أصبحت نقمة.

فما هي النعم إذاً؟ النعم على ثلاثة أضرب:

نعمٌ توصلك إلى رضوان الله عز وجل وهي الإيمان والعلم الصالح، وهذا لا يعادله نعمةٌ من النعم أبداً، ولا يمكن أن يرقى إليها أحدٌ من الناس، ولا يصل إلى مستواها بشرٌ من البشر إلاَّ المسلمون، وهذا تفوقنا على الأمة الكافرة وعلى أعداء الله بنعمة الإيمان، ونعمة الإيمان لا يعادلها شيء، وقد أسلفت الحديث عن هذا.

ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم: نحن في نعمٍ لو علم بها السلاطين لجالدونا عليها بالسيوف، فما هي هذه النعمة؟ هي نعمة الرضا بالله عز وجل رَبَّاً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>