للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أنواع النعيم]

فالنعيم الأعظم -وهو النعيم الأول- هو أن يوصلك إيمانك إلى رضوان الله هو نعمة الإيمان، والتعلق بالله، وبكتاب الله.

النعيم الثاني: ألا تجعل لك إماماً ولا قدوةً ولا هادياً إلا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١]

فمن لم يجعل الرسول عليه الصلاة السلام إمامه وأسوته وقدوته؛ فلا يزال ضالاً حقيراً لا يساوي عند الله فلساً.

ليس هناك أعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم في المربين، ولا في المعلمين، وشريعته تؤخذ كاملة، فأما التجزئة والترقيع فهذا أمرٌ لا يرضاه الله عز وجل قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:٨٥].

والنعيم الثالث: -وهو يدخل في النعيم الأول والثاني؛ لكنه ينفصل بجزئيات- نعيم العبودية، نعيم النوافل بعد الفرائض، ولا أنعم ممن وضع وجهه في الأرض ساجداً لله عز وجل.

ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً

الدنيا كلها والله لا تساوي ركعتي الضحى.

حين تخرج من عملك، من مكتبك أو من إدارتك أو من فصلك، فتتوضأ وتصلي ركعتي الضحى في أربع دقائق أو خمس دقائق، والله إن الدنيا كنوزها وذهبها وملكها لا يساوي تلك الركعتين.

النعيم أن تأخذ المصحف تتلو آيات الله، فإذا لم تبكِ فتباك النعيم هو أن تقوم في السحر إن وفقك الله لقيام السحر والليل، فتقوم فتبتهل إلى الله عز وجل أن يعافيك ويشفيك النعيم: أن تعد بأناملك دائماً وأبداً وأنت في المجالس أو وأنت سائر، بالتسبيح والتهليل والتكبير النعيم أن يصل قلبك بالله عز وجل النعيم أن ترضى بما أعطاك الله عز وجل من الأرزاق، ومن الأولاد، ومن البيوت، وتعدَّ نفسك في رغدٍ من العيش.

وقل لمن أخذ الدنيا: خذها ومعها مثلها إذا بقي الدين فهو الاستقامة والفلاح والنجاح.

فهذا نعيم العبودية نعيم اللذة.

يقول ابن تيمية كما ثبت ذلك عنه: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

إنها لذة العبادة والذكر، ولذلك لما أدخل القلعة أغلق عليه السجان الباب قال ابن تيمية: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣] ثم قال: "ماذا يفعل أعدائي بي؟!

أنا جنتي وبستاني في صدري أنَّى سرت فهي معي أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة"

فجنته وبستانه الذكر والعبادة والاتصال بالله عز وجل.

ولذلك انظر إلى المؤمنين الذين يداومون على الصلوات الخمس في الجماعة أهل المصاحف أهل قيام الليل أهل صيام النوافل أهل التسبيح وركعتي الضحى كيف تجد عندهم من السكينة، والاطمئنان، والصلاح، والخير ما لا تجده عند أولئك الذين لا يعرفون هذه الأمور.

يبحثون عن السعادة لكن ما وجدوا طريقها.

هذا الأمريكي دايل كارنيجي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة أتى بطرق السعادة، وفي الأخير تنبه واستفاق وسط الليل يقول: اكتشفت أن السعادة أن تجلس نصف ساعة مع الله عز وجل.

أين أنت يا عدو الله ما بحثت عن السعادة إلا في هذه النصف ساعة، نحن إن شاء الله سعادتنا ليل ونهار، أما أنت فتظن أن السعادة في الدراهم والدنانير لأنك ما عرفت السعادة.

رغم أن هذا الكتاب ترجم إلى تسع وخمسين لغة، والحكمةُ ضالةُ المؤمن يأخذها أنَّى وجدها، والشيطان علَّم أبا هريرة آية الكرسي، وهي موجودة في القرآن، ففي الصحيحين قال له الشيطان: اقرأها في كل ليلة فلا يزال عليك من الله حافظ، فقال عليه الصلاة والسلام مقرراً ذلك وهو يتبسَّم: {صدقك وهو كذوب}.

صدق هذه المرَّه وقد كذب مليون مرة، ولذلك لا بأس أن نأخذ هذه الأساليب التجريبية والاستقراءات لنرى كيف وصلوا إليها، وكيف المستوى المنحط الذي وقعوا فيه.

فهو بعد أن ألَّف كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) أخذ سكيناً ونحر نفسه في آخر المطاف سبحان الله! يطبب الناس وهو مريضٌ، يقتل نفسه بسكِّين أيُّ طبٍّ هذا؟! لأنه ما عرف المسجد.

من النعيم الثالث، نعيم المسجد، يوم تدل ابنك على المسجد معناه أنَّك تجنبه السجن، والخمارة، ودور الدعارة، والمقاهي اللاهية، والجلسات السيئة يوم تقوده إلى المسجد معناه أنك ترفع وتشرف رأسه في الدنيا والآخرة يوم تعلمه طريق المسجد معناه أنك تؤسس له مستقبلاً متيناً؛ ليس مستقبل الشهادة والمال؛ لأن الذي يعتمد على غير الله ينهار ويكسل وينهزم:

فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ

فإذا عرف ذلك فليعرف النعيم أنه القرب من الله عز وجل، والعبودية لله، أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يقرَّ عيوننا وعيونكم بالنعيم الخالد، وبعبوديته سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة.

اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنَّا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>