للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قطز ينادي واإسلاماه]

فأتى قطز السلطان المملوكي الذي كان يباع ويشترى في السوق فأعتقه كثير من أهل العلم، ثم تولى بقوته وشجاعته الحكم، فعاد إلى الله عز وجل وجمع الأمة الإسلامية، فصعد على المنبر يوم الجمعة في القاهرة، فقطع قلبه بالبكاء، والعالم الإسلامي أصبح ممزقاً، التتار من كل مكان، والناس إذا سمعوا صوتاً أو رجفةً ظنوها تترياً فيكاد أحدهم يسقط، حتى إذا دعت المرأة على ابنها كما يقول المؤرخون تقول: لاقى الله بينك وبين مغوليٍ أو تتري.

فصعد هذا يوم الجمعة، واختطب خطبة شجاعة إيمانية وقطعها بالبكاء، ثم نادى: واإسلاماه، فتحرك الإسلام في القلوب، وتحركت لا إله إلا الله في النفوس، وعادت القلوب إلى بارئها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي يكسب القوة، واجتمع المسلمون من كل حدب وصوب في مصر، حتى إن الذهب والفضة أصبح صُبَر -أي: أكواماً- وكانت المرأة تلقي خاتمها وخرصها ولا تبقي عليها من الذهب شيئاً؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:٦٠] فلا تكفي القوة الروحية؛ لأنها رهبنة، لكن مع القوة الروحية قوة جسمية وفكرية وعلمية وعسكرية؛ فكان قطز يستعرض مع العلماء بعد كل صلاة من القاهرة إلى القناطر يستعرض الجيش الإسلامي؛ فكانوا يتدربون، وكانوا يبارون السهام، وكانوا يتناضلون حتى الغروب، ثم يبدءون من الغروب في صلاة واستغفار حتى الفجر.

وكان يصلي بهم الحاكم قطز، فيدعو ويبكي، ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض؛ معنى ذلك: أن الجيش الذي اجتمع في مصر إذا سحق فعلى لا إله إلا الله السلام، سوف تنتهي الدعوة الخالدة والمسلمون من الأرض، واجتمع معه العلماء وأمروه أن يحرم الربا، ويمنع الخمور، وينهى عن المعاصي والفحش فمنعها؛ لأن الأمة كلما عصت الله عز وجل سلط الله عليها من هو أعصى له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هؤلاء العصاة، فعادوا، وحرم الربا، وحرم الخمور، حتى يقول أحد الزهاد وهو يعظ قطز قبل المعركة:

حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور

ويقول في أولها:

مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور

فبكى حتى سقط من على كرسيه، هذا قطز، وفي الأخير اجتمع مع العز بن عبد السلام؛ العالم الشافعي الكبير، واستعرض آخر استعراض للجيش، وأوصاهم بتقوى الله عز وجل، وأمرهم أن يصوموا قبل المعركة ثلاثة أيام؛ لأنها من أعظم المعارك التي عرفها التاريخ، فعرفوا اللجوء والرجوع إلى الله عز وجل حين ضاقت الضوائق وحين قالوا: واغوثاه واإسلاماه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>