للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى: (لو بلغت ذنوبك عنان السماء)]

قال عليه الصلاة والسلام: {يقول الله عز وجل: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عِنان السماء} وفي رواية: {عَنان السماء} العنان هو: الغمام، لو بلغت ذنوب العبد الغمام يعني: من الأرض إلى الغمام فتزاحمت وتراكمت حتى بلغت هناك فلقي الله عز وجل واستغفر لغفر له ولا يبالي سُبحَانَهُ وَتَعَالى، لأن الله لا يريد تعذيب العبد، لكن يطلب الله من العبد أن يذل ويخضع، وأن يرجع إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ليغفر له تبارك وتعالى.

ورد في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: لما كان في المسجد بعد صلاة العصر وأراد صلى الله عليه وسلم أن ينتقم من قريش؛ لنقضها صلح الحديبية؛ فإن نص المكاتبة أو مفهومها أن تضع الحرب أوزارها عشر سنوات إلا من ينقض العهد منهم، فإنه يكون المحروب والمنتقم منه، فنقضت قريش عهدها وميثاقها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً قتلت بعض أحلاف الرسول عليه الصلاة والسلام، فأراد أن يتثبت حتى يأتيه الخبر، فصلى صلاة العصر، وجلس صلى الله عليه وسلم يسبح والصحابة حوله، فدخل رجل من أحلافه -أتى من مكة - على جمل وقد قتلت قريش إخوانه وأبناءه، غدرت بعهد الله، ثم أتوا على أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في منى وفي الوتير فقتلوهم، فدخل وبيده عصا فقال:

يا ربِ إني ناشدٌ محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا

يقول: أين المحالفة والمكاتبة؟! نُقضت.

فانصر هداك الله نصراً أيدا وادعُ عباد الله يأتوا مددا

في فيلق كالبحر يجري مزبداً إن قريشاً أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا وقتلونا ركعاً وسجداً

فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {اللهم إن قريشاً نقضت عهدك، اللهم فانصرنا عليهم} فمر السحاب من قبلة المسجد يتقطع كأنه قذائف يمر تجاه مكة، يقول صلى الله عليه وسلم: {هذا العِنان أبشروا بالنصر} قام عليه الصلاة والسلام واستقبل القبلة قال: {اللهم عم عليهم أخبارنا} على قريش، ثم استنفر صلى الله عليه وسلم أصحابه فكانوا عشرة آلاف مقاتل، المهاجرون فيما يقارب ألفاً، والأنصار في ألف، وسعد بن هذي في ألف، وجهينة في ألف، وأسد في ألف، ومزينة في ألف، وجعل صلى الله عليه وسلم على كل كتيبة قائداً، وأراد الخبر أن يكون مكتوماً وألا يصل إلى قريش.

حاطب بن أبي بلتعه كتب إلى قريش فأمسكت الرسالة وقرأها صلى الله عليه وسلم ودعا حاطب بن أبي بلتعه قال: {ما حملك؟ فأخبره الخبر، فقال عمر: يا رسول الله! دعني لأضرب عنقه فقد نافق، قال: يا عمر! وما يدريك لعلَّ الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فدمعت عينا عمر} ولم يدر كفار قريش، وما أتاهم خبر، ولا علموا حتى طوق صلى الله عليه وسلم مكة.

جبل أبي قبيس في ليلة من الليالي يقول عليه الصلاة والسلام للجيش: {إذا وصلتم فليشعل كل واحد منكم ناراً} هم عشرة آلاف يعني: عشرة ألف نار، فنزلوا فاحتلوا جبل أبي قبيس وجبل قينقاع والثنية السفلى والثنية العليا وكديم وكل مكان، وبعد صلاة المغرب أوقدوا النيران وإذا بـ مكة تضطرم ناراً كلها، فخرجوا من بيوتهم لا يعلمون ماذا هناك، فيقول أبو سفيان للعباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هذا؟ قال: لا أدري؛ والعباس لم يدر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أن يعمي الله عليهم أخبارهم، قال: أظن أنها خزاعة، قال: خزاعة أقل وأذل من ذلك، فأتى الخبر أنه صلى الله عليه وسلم ثم كان الفتح، حتى يقول حسان قبل المعركة بأشهر يقول:

فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء

يقول: اتركونا نعتمر ندخل البيت.

وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء

عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع مطلعها كداء

يقول: جعل الله خيلنا ما تعود إلينا.

عدمت خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

ينازعن الأسنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات يلطمهن بالخمر النساء

لما دخل صلى الله عليه وسلم الحجون، فإذا بالخيل تأتي من كداء منطلقة وهي خيل خالد بن الوليد لأنه أتى من كداء، وإذا هي تلهث، وإذا نساء مكة يأخذن الخمر من رءوسهن -كأن حسان شهد الوقعة- ثم تمسح المرأة وجه الفرس بالخمار وذلك لعزتها، فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويلتفت لـ أبي بكر ويقول: {كيف يقول حسان؟} لأنه عليه الصلاة والسلام ما كان يحفظ الشعر {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:٦٩] كان يكسر الأبيات، لأنه لو كان يحفظ الشعر كانت قالت قريش: كان ينظم القرآن شعراً.

فيقول صلى الله عليه وسلم: {كيف يقول حسان؟} يقوله لـ أبي بكر وأبو بكر كان نسابةً، علامةً، داهية، قال: يقول:

عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

فتبسم صلى الله عليه وسلم، وسره هذا.

وفي تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة:٦٦ - ٦٩] قال عليه الصلاة والسلام: {ما هذا؟ قالوا: غمام يا رسول الله! قال: والمزن.

قالوا: والمزن يا رسول الله! قال: والعنان؟ قالوا: والعنان} فالعنان هو: الغمام، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: لو بلغت ذنوبك أيها العبد عنان السماء ثم جئت لا تشرك بالله شيئاً -أو استغفرته- غفرها لك سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>