للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دعاءٌ علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر

وفي الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: {قلت: يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو الله عز وجل به في صلاتي}.

ما أحسن هؤلاء الصحابة! وما أرضاهم رضوان الله عليهم! والذي يريد أن يعرف الإسلام فليقرأ سيرهم، بساطة ويسر وسهولة.

فدله صلى الله عليه وسلم على دعاء قال: {فقال قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} فكان أبو بكر يقولها دائماً؛ أبو بكر الذي جاهد في سبيل الله وأنفق أمواله ودمه ووقته وكل شيء، يقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً.

وبعض الناس مغتر بالله عز وجل، حتى إذا قلت: سدد وقارب وعليك أن تكثر من الذكر، قال: الحمد والشكر لله، نصلي، ونصوم، وكم حججنا! وكم اعتمرنا! وكم تصدقنا! ونعدد على الله؛ وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه خائف من الله، حتى أنه كلما سمع القرآن بكى.

تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها في صحيح البخاري: لما قال عليه الصلاة والسلام: {مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، فقالت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجلٌ أسيف -حزين لا يملك عينيه من البكاء، متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء- فقال عليه الصلاة والسلام: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صويحبات يوسف} فكان من خوفه ومن وجله لا يسمع الناس قراءته من بكائه رضي الله عنه وأرضاه.

فيقول صلى الله عليه وسلم: {قلْ: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً-وفي لفظ: كبيراً-}.

قال النووي في كتاب الأذكار: اجمع بينها في الدعاء قل: كثيراً وكبيراً، والصحيح أنه لا يجمع بينها فقل إما: كثيراً أو كبيراً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال لـ أبي بكر إلا كثيراً أو كبيراً، ومن حسن نية الإمام النووي أن يريد حفظ الروايتين، لكن لك أن تدعو بها مرةً كثيراً ومرةً كبيراً.

{اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم} هذا من الدعاء الذي حفظ لنا، والذي ينبغي على العبد أن يلازمه كثيراً، وأحسن ما يكون في العبد المسلم أن يستغفر من الذنب، وأن يعلن التوحيد؛ ولذلك يجمع إلى الله عز وجل التوحيد كثيراً والاستغفار، يقول جلَّ ذكره: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩].

وعند أبي يعلى في المسند قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار}.

وورد أنه قال عليه الصلاة والسلام: {جددوا إيمانكم.

قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا لا إله إلا الله} فتجديد الإيمان بلا إله إلا الله، وتصفيته بالاستغفار، فالاستغفار مقرون بالتوحيد، ولذلك يقول يونس بن متى عليه السلام لما وقع في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الليل، قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧] فهو اعتراف مع توحيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>