للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حديث البخاري في تعيين ليلة القدر]

إن الحمد لله، نحمده ونستغفره، ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ورفع راية لا إله إلا الله.

إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمةٍ جبت الكنوز فكسرت أغلالها

لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

في الأثر: {إن الله سبحانه نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب}.

ثم أغاث الله الناس بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى أهل البيوت التي بنيت من الشجر، وفي كهوف الجبال ومن الأعلاف، وجاء إلى أهل الثياب الممزقة من الأعراب والقبائل المتناحرة المتقاتلة، فجمعهم تحت راية لا إله إلا الله، فكان صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق في غزوة الأحزاب، ومعه المعول بيده الشريفة، وقد ربط على بطنه حجرين من الجوع صلى الله عليه وسلم، وأخذ المنافقون يتسللون لواذاً ويفرون، ويقولون: أيعدنا هذا أن نفتح قصور كسرى وقيصر، ولا يأمن أحدنا أن يبول في هذا المكان، ثم يتضاحكون كلما أخبرهم صلى الله عليه وسلم، فينزل عليه أفضل الصلاة والسلام، فيضرب بمعوله في الأرض، فإذا بنورٍ يلمع فيقول: {أريت قصور كسرى، وقد أرانيها الله سبحانه وتعالى وسوف يفتحها على أمتي، ثم ضرب ضربة أخرى فإذا نورٌ يلمع فقال: وهذه قصور قيصر أرانيها الله سبحانه وتعالى وسوف يفتحها على أمتي}.

ونفذ الله سبحانه وتعالى ما وعد، وصدق الله ورسوله، ففتحنا بلا إله إلا الله ثم بالسيوف المثلمة وبالرماح التي مضى عليها الأمد قصور الدنيا، وعبرنا المحيطات والبحار بلا إله إلا الله، وصار الأعراب أمراء على الأقاليم، حتى إن سعداً رضي الله عنه لما دخل المدائن عاصمة كسرى بكى، ثم قال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:٢٥ - ٢٩].

مرت سحابة على بغداد، فذهبت ولم تمطر فقال هارون الرشيد: أمطري أنى شئتِ؛ فإن خراجك سوف يأتيني بإذن الله.

فأينما ذكر اسم الله في بلد عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني

ونحن في مثل هذه الأوقات نجلس في رياض محمد صلى الله عليه وسلم، مع المعلم الأول، مع الذي رفع رءوسنا يوم كانت مخفوظة، والذي فتح قلوبنا بعد أن كانت غلفاً، وفتح أعيننا بعد أن كانت عمياً، وأسمع آذاننا بعد أن كانت صماً، فرفع رءوسنا على الأمم حتى قال الله فينا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] في تاريخ الإنسان وحياته هم خير أمةٍ أخرجت للناس وذلك إذا كانوا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.

وكما أسلفنا في بعض الأحاديث التي مرت، وهي من رياض محمد صلى الله عليه وسلم نكتبها في كل درس، والمقصود هو اتصال القلوب بهذا النور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.

فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم؛ التمسوها في السبع والتسع والخمس} وقد أتى الإمام البخاري بهذا الحديث في باب الإيمان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>