للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توبة سائق الإسعاف]

المبشرات كثيرة جداً -كما قلت- أيها الأحبة: أورد صاحب كتاب قصص السعداء والأشقياء هذا الحدث وفيه عبرة وعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.

سائق الإسعاف كان فظاً غليظاً، لا يتذكر إذا ذُكِّر، ولا يتعظ إذا وُعظ، يباشر الحوادث الشنيعة فيحمل أشلاء المصابين، رأس المصاب في يد، ورجل المصاب الآخر في يد أخرى، فلا يهزُّه ذلك المنظر، ولا يؤثر فيه، كان تاركاً للصلاة، مرتكباً للموبقات.

ويشاء الله عز وجل -كما يقول هو- أن بُلِّغ ليلة من الليالي عن حادث من الحوادث على مدخل مدينة الرياض، قال: في الساعة الواحدة ليلاً، قال: ركبت السيارة، وانطلقت مسرعاً نحو الحادث، ووصلت إلى موقع الحادث؛ فإذا بي أجد سيارة بيضاء قد ارتطمت بأحد أعمدة الإنارة -أحد أعمدة الكهرباء- قال: وأدت إلى انطفاء الكهرباء في تلك المنطقة، قال: والغريب أني أرى نوراً خافتاً ينبعث من السيارة.

قال: فانطلقت متوجهاً إلى باب السيارة، وكان في يدي سيجارة، قال: فإذا بي أرى رجلاً كَثَّ اللحية، مستنير الوجه -وجهه كأنه فلقة قمر- قد ملأ نور وجهه السيارة، وقد ارتطمت أجزاؤه السفلى بمقود السيارة، قال: فحاولت أن أعيد المقعد إلى الخلف لأنقذه، فقال: أتريد أن تنقذني يا بني؟ قلت: نعم.

قال: إذا سمحت أطفئ سيجارتك، واتق الله جل وعلا.

قال: فما كان مني إلا أن أطفأتها، ورجعت أحاول إنقاذه، قال: وما استطعت أن أخرجه كما ينبغي، قال: أتريد أن تنقذني فعلاً، قال: نعم.

قال: فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من صنع إليكم معروفاً فكافئوه} والله! يا بني لا أملك لك مكافأة على إنقاذي إلا نصيحة أوجهها إليك، فهل تقبل ذلك؟ قال: قلت: تفضل، قال: عليك بتقوى الله، عليك بتقوى الله، عليك بتقوى الله، وإياك ورفقة السوء.

أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم مات.

قال: فارتجفت مكاني، وأخذته من هناك، وأخذته في السيارة، وسلمته لقسم الحوادث في الساعة الثالثة ليلاً، قال: ولم أستطع النوم، كلماته لازالت تَرِنُّ في أذني، قال: وقمت إلى صلاة الفجر، وتوضأت وصليت، وأخبرت إمام المسجد الذي بالحي بما حصل، فقال: احمد الله الذي أحياك بموت ذلك الرجل، احمد الله الذي أحياك بموت ذلك الرجل، وادع الله عز وجل له فخير ما تكافئه به الدعاء.

ثم يقول هذا الرجل: فأسأل الله أن يرحمه، وأن يغفر له، وأن يجمعني به في الجنة: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

أرأيتم أيها الأحبة! رجل يلفظ أنفاسه الأخيرة، وعلم أنه مسئول أمام الله أن يأمر وينهي، فماذا كان منه؟ يقول له: أطفئ سيجارتك.

ويقول له: اتقِ الله.

وبعضنا يرى المنكرات والعظائم أمام عينه فلا تهتز فيه شعرة، ويذهب ويخرس كالشيطان لا يتكلم بكلمة، ألا فاتقوا الله، وقولوا كلمة الحق، ولا تخشوا في الله لومة لائم؛ فإن الله ينفع بها: {ولأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حُمر النِّعم}.