للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المرأة في الإسلام]

بعد تلك المهانة والذِلَّة يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرفع مكانة المرأة، وليُعلي شأنها، فإذا به صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بيعة مستقلة عن الرجال، وإذا بالآيات تتنزل، وإذا المرأة فيها إلى جانب الرجل تكُلَّف كما يُكَلَّف الرجل إلا فيما اختصت به {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل:٧٢] {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧] صفات صالحة في الرجال، ما ذكرها الله إلا وذكر في جانبها النساء، والطالحة كذلك.

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ} [التوبة:٧١] {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:٢٦] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [لمائدة:٣٨] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:٢].

وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مدة ليست باليسيرة يقول: {إنما النساء شقائق الرجال} وإذا به صلى الله عليه وسلم بعدها يقول في خطبته الشهيرة: {استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عَوَان} يعني: أسيرات.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم رافعاً شأن المرأة، وشأن من اهتم بالمرأة على ضوابط الشرع؛ خياركم خياركم لنسائهم: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} صلوات الله وسلامه عليه، يأتيه ابن عاصم المنقري؛ ليحدثه عن ضحاياه من الموءودات، وعن جهله المُطْبِق فيقول: {لقد وأدت يا رسول الله اثنتي عشرة منهن، فيقول صلى الله عليه وسلم: من لا يَرحم لا يُرحم، من كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله عز وجل بها الجنة}.

ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه: {من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه}.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

أمٌّ مكرَّمَة مع الأب، أُمِرْنَا بحسن القول لهما: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:٢٣] وحسن الرعاية: {وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:٢٣] وحسن الاستماع إليهما والخطاب: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً} [الإسراء:٢٣] وحسن الدعاء لهما: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:٢٤].

أمٌّ مكرَّمة مقدَّمة على الأبِّ في البرِّ: {من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: أبوك}.

يأتي جاهمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد في سبيل الله من اليمن، قد قطع الوِهَاد والنجاد حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت لأستشيرك، فقال صلى الله عليه وسلم: {هل لك من أم؟ قال: نعم.

قال: الْزمها؛ فإن الجنة عند رجليها} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

بل أوصى صلى الله عليه وسلم بالأم وإن كانت غير مسلمة، فها هي أسماء تقول: {قدمت أمي عليَّ وهي ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قدمت أمي وهي راغبة أَفأَصِلُها؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم.

صِلي أمك}.

ليس هذا فحسب، بل أنزل الله فيكِ سورة كاملة باسم سورة النساء، وخصَّكِ بأحكام خاصة، وكرَّمك، وطهَّرك، واصطفاك، ورفع منزلتك، ووعظك، وذكَّرك، وجعلك راعية ومسئولة، وأرجو من الله -عز وجل- أن تكوني كذلك، فالأمل والله فيكن أيتها المؤمنات المتعلمات كبير، والمسئولية والله عليكن عظيمة وجسيمة.

فأنتن راعيات في المدارس، راعيات في البيوت، فلتكنَّ قدوات: قدوات في المظاهر، وقدوات في المخابر، قدوات في القول، وفي العمل، وفي كل أمورِكن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رفع شأنكن بهذا الدين يقول: {وما من راعٍ استرعاه الله رعية فضيَّعهم، أو بات غاشاً لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة}.

منذ بزوغ فجر الرسالة -يا أيتها المسلمة- والمرأة مُكرَّمة معزَّزة تقوم بدورها إلى جانب الرجل تؤازره، وتشد من عزمه، وتقوي همَّته، وتناصره.

تحفظه إن غاب، وتسرُّهُ إذا حضر إليها، ثم تنال بعد ذلك نصيبها في شرف الدعوة إلى الله عز وجل.

وتنال نصيبها من الإيذاء في سبيل الله.

فها هي سمية ما سمية؟!

سمية أول شهيدة في الإسلام، وهاهو ابنها وزوجها يُعذَّبون، يُلبسون أذرع الحديد، ثم يُصهرون في الشمس في رمضاء مكة، وما أدراكم ما تلك الرمضاء؟!

ثم يمرُّ صلى الله عليه وسلم وهم يُعذَّبون بـ الأبطح، وهو في بداية دعوته لا يملك لنفسه شيئاً بل لا يملك ما يدفع به عنهم وعنها، فيقول: {اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة} وذات يوم بالعشي يأتي أبو جهل إلى سمية، فيسبها، ويشتمها، ويتكلم بكل كلمة وَقِحَة ومهينة، وهي ثابتة بإيمانها، راسخة بيقينها، لا تلتفت إلى وقاحته، ولا تنظر إلى سفالته، وإنما رنت عينها مباشرة إلى جِنَانٍ زاكية، وإلى منازل ذاكية، في دار النعيم والرِّضوان والتكريم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، نظرت إلى هناك ولم ترد عليه ليتقدم -أخزاه الله- إلى تلك العجوز الضعيفة الكبيرة فيطعنها بالحربة في موطن عِفَّتِها، لم يرحم ضعفها ولا عَجْزَهَا، لتسقط فتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يموت زوجها بعد ذلك بالعذاب فيحتسبه أبناؤه، ويشاء الله أن يعيش ابنها عمار حتى يرى قاتل أمه يوم بدر مجندلاً على الأرض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: {قتل الله قاتل أمك يا عمار، قتل الله قاتل أمك يا عمار}.