للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الإخلاص والمتابعة في السير إلى الله]

فتى الإسلام:

اقصد البحر بأسباب وخض هول العُباب

إيَّاك والتواكل؛ فإنه التخاذل وليس بالتوكل.

لكل شيءٍ سبب

قدره المقتدر

المالك المنفرد

فاطرق بحزم سبباً

وابذر بجد حباً

وثَمراً لا تنتظر

نتيجةً لا تملكن

فالأمر للإله

الواحد القهار

لا تكن -أخي- كمن يريد أن يزرع اليوم ولا أرض ليحصد غداً، ويغرس في الصباح ولا بذر، ليجني في المساء، ذاك محال وخلاف سنة الله رب الأرض والسماء.

أتَطمعُ أنْ تَرى غَرْساً وتَهْفُو إلى ثَمَراته قَبْل الغِرَاس

محال؛ إن الله عز وجل كان قادراً أن ينصر نوحاً صلوات الله وسلامه عليه ومن معه من أول الأمر، لكنه تركه يأخذ بالسبب، يدعو ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم نجَّاه الله بسفينة صنعها بيديه، ولم تنزل له من السماء، سُنة الله، ولن تجد لسنه الله تبديلاً.

فمَا نَيْلُ المَطَالِبِ بالتَّمنِّي ولَكنْ القِ دَلوَك فِي الدِّلاءِ

أحبتي: إن طالب علم يريد حفظ كتاب الله، ولمَّا ينتظم في حلقة تحفيظ، ولم يفتح المصحف، إنما يطلب المحال، ويسخر مع ذلك من نفسه.

إن طالباً يريد العلم، ولم يثنِ ركبته عند عالم، ولم يفتح كتاباً، ولم يجعل للعلم وقتاً فرضاً، لا يمكن أن يحوي علماً، أو أن ينتظم في سلك طلاب العلم طالباً، إنما مثله كرجل له بستان مثمر مورق يجاور نهراً، بينه وبين النهر كف من تراب، وذبل البستان، وجفت الثمار، وسقطت الأوراق؛ كل ذلك من الظمأ، فقام الرجل بدلاً من أن يزيل الكف من التراب ليصل ماء النهر إلى البستان، قام ليتوضأ من النهر، ويصلى صلاة الاستسقاء، ويدعو الله أن يغيث بستانه.

تواكل وخَور وعجز وضعف!

هل يطير طائر بلا ريش؟ هل السماء بالذهب تمطر؟

لا.

كل شيء بسبب، ومن برز بلا سبب قعد دون الرجال حسيراً مغموراً، وقعد عن نيل المعالي ملوماً محسوراً، وإذا أدركته المنية مضى وكأن لم يكن شيئاً مذكوراً.

لو كَان هَذَا العِلمُ يَحصلُ بالمُنَى مَا كَان يَبقَى في البَرِيَّةِ جَاهِل

فاعقل.

توكل.

بادر.

وانهض إلى المعالي واطلب ولا تبالي

واحذر من التواني والعيش في الأماني

واقصد البحر بأسباب ودع عنك سراب القنوات!