للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تميز الداعية في حياته]

فتى الإسلام: بل يا قاصد البحر! التميز التميز؛ إذ هو في حياتك عمدة، وضرورة خاصة في عصور طغيان الحياة المادية على الحياة.

تميز المسلم يتمثل في تمسكه وقبضه على دينه عقيدة وعبادة وسلوكاً؛ بمعنى: ألا يتميع في دينه وينصهر مع المتفلتين منه تحت وطأة الفساد، وضغط الواقع، ومسايرة المجتمع كما يقال.

نعم.

إنه ليعرف بإصراره على دينه والغيرة على محارم الله أن تنتهك، وأي دين وأي خير وأي تميز لمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضيع، ودينه يترك، وسنة رسوله يرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطان أخرس ما بلية الدين إلا من هؤلاء، الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم؛ فلا مبالاة بما يجري على الدين، لقد بلوا بأعظم بلية؛ ألا وهي موت القلب وهم لا يشعرون عافانا الله وإياكم.

يتميز المسلم بصحة معتقده عند مسائل الاعتقاد، بالتزام السنة عند نشوب البدعة، بصدق الإيمان عند نشوب النفاق، بعبادته إذا الناس يلهون، بأخلاقه إذا أهدرت القيم، بالصدق في المعاملة إذا فشا الغش، بصمته إذا كثر الخلط، بمحاسبته نفسه إذا أهملها الغير، بدعوته بجهاده إذا أقبلت الدنيا على أهلها فغرقوا في لجتها، بالإنصاف حتى مع الشنآن.

لا يخجل من انتمائه لدينه، لا يخجل من منهاجه وشريعته، لا يخجل من أن يتحدث بلغته؛ لغة القرآن، ولا يخجل من لباسه الذي يخالف به الكفار.

التميز ضرورة للسائرين على الدرب ليقدم منهجه للعالمين عملياً قوياً.

يذكر أبو الحسن الندوي حفظه الله ورحمه؛ أنه وقع نزاع بين الهندوك والمسلمين في قرية من الهند على أرض؛ يقول الهندوك: إنها معبد لهم، ويقول المسلمون: إنها لهم مسجد، وتحاكموا إلى الحاكم الإنجليزي في ذلك الوقت، فسمع حجة الفريقين، وتحاجوا، ولم يطمئن إلى نتيجة معينة في محاكمته، فسأل الهندوك: هل يوجد في القرية مسلم تثقون بصدقه وأمانته لأحكم على رأيه؟ قالوا: نعم.

فلان.

وسموا شيخاً من صالحي المسلمين وعلمائهم، فهو تميز حتى بين الكافرين، فأرسل الحاكم في طلبه إلى المحكمة، فقال: قد حلفت ألا أرى وجه إفرنجي ما حييت، فأخبروا الحاكم بمقالة العالم، فقال: لا بأس! يحضر ويدلي برأيه في القضية ولا يلزم أن يراني، فحضر الشيخ متميزاً قد ولى دبره إلى الحاكم وقال: الحق في هذه القضية مع الهندوك، والأرض أرضهم ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا، فقضى الحاكم بذلك، وخسر المسلمون القضية، ولربما غضب بعضهم ولكنهم كسبوا قلوب أولئك فأسلم منهم جمع.

أرأيت كيف يكون التميز؟

إن العلم عارية ووديعة من الله لا تباع كسلعة في السوق، لا يتعاون به على إثم آثم أو عدوان معتد أو ظلم ظالم.

فيا طلاب العلم:

ميزوا الأنفس عن رق الهوى وإلى الإسلام سيروا تبعا