للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعداء وحسن الخاتمة]

عباد الله: وفي تلك اللحظات الحَرِجَة ينقسم الناس إلى فريقين؛ شقي وسعيد، فريق السعداء حالهم: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:٣٠ - ٣٢].

هاهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها تقول -كما رُوِيَ عنها- إنَّا لعند علي رضيَ الله عنه وأرضاه بعدما ضربه ابن ملجم -عليه من الله ما يستحق- إذ بـ علي يشهق شهقة فيغمى عليه، ثم يفيق وهو يقول: مرحبًا مرحبًا! الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة.

الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن، لمثل هذا فليعمل العاملون، وليتنافس المتنافسون.

فيا لها من موعظة ومصير، لو وافقت من القلوب حياة! مَنْ ظفر بثواب الله فكأنه لم يُصب في دنياه.

كأنك لم توتر من الدهر مرة إذا أنت أدركت الذي أنت طالبه

واسمع معي أخرى لـ سعيد بن جبير رضي الله عنه يوم يروي لنا قصة صحيحة متواترة -كما قال الذهبي في سيره --فيقول: لما مات ابن عباس رضي الله عنهما بـ الطائف، جاء طائر لم يُرَ على خِلقته مثله، فدخل نعشه، ثم لم يخرج منه، فلما دُفِن إذا على شفير القبر تالٍ يتلو لا يُرى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

فيا لها من خاتمة! ويا له من مصير! والخير في الأمة يستمر، ولن تَعْدَم الأمة خَيِّر.

فاسمع ثالثة إلى هذا الحدث الذي ذكره صاحب كتاب: يا ليت قومي يعلمون قال: حدثني أحد الصالحين قائلاً: كان هناك رجل صالح من أهل الطائف، كان عابدًا فاضلاً نزل مع بعض أصحابه إلى مكة مُحْرِمًا، ودخلوا الحرم بعد أن انتهت صلاة العشاء، فتقدم ليصلي بهم وهو مُحْرِم في الحرم، قد خرج لله عز وجل كما يُحسب.

قرأ سورة الضحى، فلما بلغ قول الله عز وجل: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى:٤] شهق وبكى وأبكى، فلمَّا قرأ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:٥] تَرَنَّح قليلاً، ثم سقط ميِّتًا، فعليه رحمة الله؛ ليبعث يوم القيامة بإذن الله مصلياً؛ ومن مات على شيء بعث عليه كما ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وآخر يقضي حياته مؤذنًا يهتف بالتوحيد كل يوم وليلة خمس مرات، ويؤذِّن يومًا من الأيام، ثم يشرع ليقيم الصلاة، ولما انتصف في إقامة الصلاة سقط ميتاُ، فعليه رحمة الله.

سنوات يؤذن، ثم يجيب داعيَ الله مؤذنًا، ليبعث يوم القيامة من أطول الناس أعناقًا فرحمة الله عليه.

يا لها من خواتم طيبة! ملائكة بيض الوجوه، يتقدمهم ملك الموت، يخاطب تلك الأرواح الطَّيبة: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راضٍ غير غضبان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فَمِ السِّقَاء، وتفتح لها أبواب السماء، وتُحمل الجنازة على الأكتاف وهي تصيح، وتقول: قدِّموني قدِّموني، تُسأل فتجيب وتُثبَّت، فيفرش لها من الجنة، ويُفتح لها باب إلى الجنة، قد استراحت من تعب هذه الدار، وإلى راحة أبدية في دار القرار.