للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجنة ما الجنة؟]

الجنة ما الجنة؟!

والفردوس ما الفردوس؟!

لا خطر لها، لا مثيل لها، ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مضطرد، وثمرة نضيجة، وحلل كثيرة، وزوجة حسناء جميلة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، في محلة عالية بهية، في جنة عدن عند مليك مقتدر.

بناها الله تعالى لعباده المتقين أحسن بناء، وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه؛ فبناؤها أحسن وأجمل وأتم وأكمل بناء، وكيف لا يكون ذلك وهي لبنة من ذهب ولبنة من فضة، بلاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت والجوهر، وترابها الزعفران، وسقفها عرش الرحمن؛ لا إله إلا هو! غرفها مبنية يُرى ظاهرها من باطنها، ويرى باطنها من ظاهرها، من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه.

أما أشجارها، فما أشجارها؟

ما من شجرة إلا ولها ساق من ذهب، ولها ساق من فضة.

أما ثمارها فألين من الزبد، وأحلى من العسل.

وأما ورقها فلا إله إلا الله! أحسن وأرق من رقائق الحلل.

أما تصفيق الرياح لذوائب أغصان أشجار الجنة، فيستفز من لا يطرب بالطرب.

ظل الشجرة يسير الراكب فيه مائة عام لا يقطعه؛ فأسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستظل بظلال أشجارها، إنه غفور رحيم.

أما أنهارها فما أنهارها؟

أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.

وفوق ذلك ظلُّها ممدودٌ، وطلحُها منضود، تعلمون -يا عباد الله- أن الطلح له شوك، يقول أحد الأعراب للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {ذُكر في الجنة شجرة ما نعرف منها إلا الأذى -يقصد شوكها- قال: ألم تسمع لقول الله تعالى: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:٢٩]} نضد هذا الشوك، فأنبت مكان كل شوكة ثمرة ألْيَن من الزبد، وأحلى من العسل، فضلا من الله ومِنَّة.

أما ماؤها -يا عباد الله- فمسكوب، حدائق وأعناب وكواعب أتراب.

أما طعام أهلها فلا إله إلا الله! فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور.

أما آنيتهم فالذهب والفضة في صفاء القوارير، وأَجْمِلْ بتلك الآنية!

فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذُّ الأعين، وفوق ذلك: مَن دخلها يخلد فيها أبداً.

فيها روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان.

قد ذُلِّلت قطوفُها تذليلاً، يتكئ أهلها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، ولا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماً.

فيها مائة درجة، والناس في الجنة على درجات؛ منهم من يبلغ أعلى الجنة، ومنهم من هو في وسط الجنة، ومنهم من هو في ربض الجنة، لو أن العالمين اجتمعوا في درجة واحدة لوسعتهم.

سعة أبوابها: ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.

فأسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يزاحم على تلك المصاريع.

أما ما للمؤمن فيها: فللمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوَّفة طولها في السماء ستون ميلاً، له أهلون يطوف على بعضهم فلا يرى بعضهم بعضاً، فضلاً من الله ونعمة.

أما لباس أهلها فلا تَسَل عن لباسهم؛ حرَّم عليهم الحرير والذهب في هذه الحياة وجعل لباسهم هناك من الحرير والذهب، وأنعم بذاك اللباس!

وأما صورتهم فأهلها جميعاً على صورة القمر ليلة البدر؛ فلا إله إلا الله، أي جمال يكون ذاك الجمال!!! حليهم وأساورهم من ذهب وفضة ولؤلؤ وزبرجد وياقوت، من لذة إلى لذة إلى لذة، لا يجوعون ولا يظمئون، ولا ينصبون، ولا يشبعون، ولا يتعبون، وإنما لذَّات فوق لذّات: {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧١].

{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ من معِينٍ} [الواقعة:١٧ - ١٨].

{إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:١٩ - ٢٠].

أما أسنان أهل الجنة: فأبناء ثلاث وثلاثين في سن الشباب، وما أجمل هذا السن يا عباد الله!

أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ} [هود:١٠٨] في سعادة أبدية.

أما أمشاطهم فالذهب، وأما رشحهم فالمسك، وأما مجامرهم فالألوَّة، وهو أفضل الطيب وأفضل العود.

وأما أزواجهم فالحور العين، ولنا وقفة مع الحور العين يا عباد الله!