للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجالسة الصالحين والابتعاد عن الفجار]

بادرْ قبل أن تُبادَر! ولا تصحب الفاجر؛ فإنه يزين لك فعله، ويود لو أنك مثله، وطبعك يسرق منه، والمرء على دين خليله.

لا تسكن أرضاً موبوءة؛ فإن جرثومة المرض تسري فتفري، اهجر المعصية ومكانها، وعليك بقوم يعبدون الله بأي أرض، فاحبس نفسك معهم؛ فإن بيئة المعصية بيئة سوء، والله الذي لا إله إلا هو، لأن تنقل الحجارة، وتأكل الحجارة، وتنام على الحجارة مع الأبرار، خير لك من أكل الحلوى، والجلوس على الحرير، والنوم على الحرير مع الفجار؛ أولئك يدعون إلى الجنة، وأولاء يدعون إلى النار.

فما ينفع الجرباء قُرْبُ صحيحة إليها ولكن الصحيحة تجربُ

قال الله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨].

اهجر مكان المعصية، وأطِلْ الصمت، وأَدْمِن السُّكوت، ولا تخُض مع الخائضين، وقف على أحوال التائبين، وإذا رأيت العصاة فلا تشمخ بأنفك، واحمد ربك، ودُلَّهم على ما أنت فيه، وقل: {كَذَلِكَ كُنْتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:٩٤] ففي ذلك ذكرى للمؤمنين.

هاهو أبو لبابة رضي الله عنه وأرضاه لما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، وقد أجهدهم الحصار، وقد غدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد، فقام إليه الرجال والنساء والأطفال يبكون، فرقَّ لهم، فقالوا: [[أننزل على حكم محمد؟ صلى الله وسلم على نبينا محمد، قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح، يقول: فوالذي لا إله إلا هو! ما زالت قدماي من مكانها حتى علمت أني خنت الله ورسوله]] ورجع نادماً أسيفاً، عظَّم الله عز وجل فلم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما رجع فارتبط بجذع في المسجد، لا يُطلق منه إلا ليصلي، ثم يعود إلى ذلك الجذع، يتلمس عفو الله، ولطف الله، ورحمة الله، وتوبة الله، حتى إذا ما نزلت توبته، أَبْشِرْ بخير يوم مرَّ عليك يا أبا لبابة؛ لقد تِيبَ عليك.

خرَّ ساجداً لله عز وجل، ثم قام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقه، فقال -وهو يرسم منهجاً لهجر المعصية، ومكان المعصية، وبيئة المعصية-: {يا رسول الله! والذي لا إله إلا هو! ما وطئت قدمايَ أرض بني قريظة ما حييت، والله لا أُرَى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً}.