للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من خلق الإنسان]

أسأل سؤالاً آخر من خلقك أيها الشاب؟ من خلقك أيها العبد؟ سؤال قد يكون ساذجاً لكن لابد له من إجابة، إنه الله الذي لا إله إلا هو.

هل خلقك عبثاً؟ هل تركك هملاً؟ هل خلقك والبهائم سواء، تأكل كما تأكل البهائم أم كلفك وشرفك؟

إنه قد كلفك وشرفك وجعل حكمة لخلقك وإيجادك، فما الحكمة من خلقك وإيجادك؟ ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٢٦ - ٥٨].

إذاً لماذا خلقت؟ أللهو خلقت؟ أللعبث خلقت؟ هل تركت سدىً أم كلفت بأشياء لابد أن توقف أمام الله وتسأل عنها واحدة واحدة في سجلات محكمة وثيقة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها؟ ستجد ما عملته في سجلات أمامك فإما وجه مبيض -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا الصنف- وإما وجه مسود -أسأل الله ألا يشقي أحدنا فيكون من أهل هذه الوجوه السوداء-.

إذاً: خلقنا الله لحكمة وهي عبادته سبحانه وتعالى، ثم اعلم أنه لا تنفعه طاعتك ولا تضره معصيتك، وإنما تضرك معصيتك وتنفعك طاعتك لله عز وجل، فيا لخسارة من ضيع هذه الحكمة فاستعمل هذا الجسم وهذه الجوارح وذاك العقل في غير ما يرضي الله جل وعلا.

أحد السلف يمر بصبية صغار يلعبون، وهناك طفل ينظر إليهم ويبكي، فيمر عليه ظن أنه يبكي؛ لأنه ليس له لعبة كما لهم لعبة فقال له: يا بني! أتريد أن أشتري لك لعبة؟ قال: ما لهذا أبكي يا قليل العقل شاب صغير عرف الله جل وعلا.

قال: لمَ تبكي؟ قال: أبكي لأن هؤلاء يفعلون غير ما خلقوا له، أو لم يسمعوا قول الله موبخاً أهل النار: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦] فقال هذا الرجل وقد دهش من جواب هذا الشاب الذي تربى على القرآن ففهم معاني القرآن وطبقها حياً واقعاً، ماذا قال؟ قال هذا الرجل له وقد أعجب به: يا بني إنك لذو لب (لذو عقل) وإن كنت صغيراً فعظني.

قال له بيتاً واحداً:

فما الدنيا بباقية لحي وما حي على الدنيا بباقي

موعظة عظيمة أيها الأحبة!

أما والله لو علم الأنام لمَ خلقوا لما هجعوا وناموا

لقد خلقوا ليوم لو رأته عيون قلوبهم ساحوا وهاموا

ممات ثم نشر ثم حشر وتوبيخ وأهوال عظام

ليوم الحشر قد عملت أناس فصلوا من مخافته وصاموا

ونحن إذا أمرنا أو نهينا كأهل الكهف أيقاظ نيام