للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من خشيته وخوفه من الله]

كان شديد الخوف من الله جل وعلا، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.

كان يذكر الله في فراشه -كما تقول زوجه- ثم ينتفض كما ينتفض العصفور المبلل، حتى أقول: ليصبحن الناس ولا خليفة لهم.

ثم تقول: يا ليت بيننا وبين الخلافة بُعْدَ المشرقين، والله ما رأينا سروراً مذ تولى الخلافة عمر.

تقول فاطمة زوجه: أمسى ذات ليلة، وقد فرغ من استعراض حوائج المسلمين، ثم أطفأ السراج، ثم قام فَصَلَّى ركعتين، ثم جلس واضعاً رأسه على يديْه تسيل دموعه على خده، يشهق الشهقة فأقول: قد خرجت نفسه وانصدعت كَبِدُه، فلم يزل كذلك حتى أصبح الصبح، ثم أصبح صائماً، تقول زوجه: فدنوت منه، وقلت: يا أمير المؤمنين! كثير ما كان منك الليلة أَأَمر ألمَّ بك أم ماذا دهاك؟ فأجابها -وقد نصب خوف الله أمام عينيْه- قائلاً: إني نظرت في نفسي، فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب والفقير واليتيم في أقاصي البلاد، فعلمت أن الله سائلي عنهم، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم، فخفت ألا يثبت لي عند الله عذر، فخفت خوفاً دمعت له عيني، وَوَجَلَ له قلبي، وكلما ذكرتُ ذلك ازداد خوفي وجلاً، ثم انْهدَّ باكياً رضي الله عنه ورحمه.

أواه! من لنا بمثل عمر؟! عجزت نساء الأرض أن ينجبن مثلك يا عمر!

بكت فاطمة زوجه بعد وفاته حتى عشي بصرها، ودخل عليها إخوتها قائلين: ما هذا يا فاطمة؟ أجزعك على عمر؟ فهو والله أحق مَنْ يُجْزَعُ على مثله، أم على شيء من الدنيا؟ فأموالنا بين يديْك وما أخذت منها خير مما تركت.

قالت: والله لا هذا ولا ذاك.

لكني رأيت من عمر ليلةً منظراً ما تذكرته إلا بكيت، رأيتُه ليلةً قائماً يُصَلِّي، ثم جلس يقرأ حتى أتى على قول الله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:٤ - ٥]، فصاح: وا سوء صباحاه! ثم وثب ثم سقط فجعل يَئِنُّ حتى ظننت أن نَفْسَه ستخرج، ثم هدأ ثم نادى: وا سوء صباحاه! ثم قام، وهو يقول: وَيْلي من يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر، ثم سقط كأنه ميت حتى سمع الأذان فقام.

تقول: فوالله ما ذكرت ليلته تلك إلا غلبتني عيناي فلم أملك رد عبرتي فأسأل الله أن يؤمنه وأن يؤمننا: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:٤ - ٥].

خاف الله في الدنيا ونسأل الله أن يؤمنه في الآخرة.

هذه مواقف من حياة عمر ومن خوفه من الله وزهده وعدله، هذا هو عمر الذي جلس للناس مربياً ومعلماً وأباً وأخاً، هذا هو عمر لمن أراد أن يقتدي بـ عمر: {وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته} {وما من راع استرعاه الله رعية فبات غاشاً لهم إلا حرم الله عليه رائحة الجنة}.

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

اللهم أخرج من أصلاب هذه الأمة رجالاً كـ عمر يردون الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.