للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نموذج من سلف الأمة في الإقبال على الله]

يا أيها الأحبة! أريد في الختام أن أذكر لكم نماذج، وهذا النماذج حافزة لكم أن تكونوا مثلها، للصغار أقول يا أيها الأحبة: في موقعة بدر -أول وقعة للمسلمين- والتي أثخن فيها المسلمون المشركين ماذا كان بطفل بمثل أعماركم؟ ماذا كان من شاب بمثل أعماركم؟ إنه عمير بن أبي وقاص، شاب صغير عرف قدر نعمة الله عليه عز وجل بالإسلام، فتوجه إلى الله جل وعلا يوم بدر، فكان أن أخذ حمائل السيف، وكانت طويلة عليه فأخذها سعد وربطها فأصبح يسحب في الأرض من قصر الرجل وطول السيف عليه! ويتجه إلى الله، ماذا يقدم؟ هل يقدم ركعة -وإن كانت عظيمة-؟ هل يقدم كلمة -وإن كانت عظيمة-؟ إنه لم يرض للجنة ثمناً إلا أن يقدم دمه لله عز وجل، فيأخذ السيف ويتوارى بين صفوف المسلمين؛ لأنه لو رآه النبي صلى الله عليه وسلم لرده، فرآه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال لـ عمير: ارجع.

فماذا كان من عمير؟ أفرح والسيوف تنتظره هناك؟ بل دمعت عيناه ورجع هذا الصبي حسيراً كسيراً، فيقول أخوه سعد بعد أن تأثر من منظره: يا رسول الله! والله ما خرج إلا ليقتل في سبيل الله فلا تحرمه الشهادة في هذا اليوم، فيسمح له النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل غزوة بدر فينتصر المسلمون ليكون أحد شهدائها بإذن الله، عمير بن أبي وقاص.

كم عمره آنذاك؟ عمره بمثل أصغر أعماركم الآن، وما ذلك على الله بعزيز أن نرى من شبابنا عميراً وعميراً وعميراً، نسأل الله أن يجمعنا بـ عمير وأمثاله في جنة عدن، فهو الرحيم سبحانه وبحمده.

أيها الأحبة: هذا مثل من الماضي لكن هل الماضي فقط؟ والله يا أيها الأحبة إن من شبابنا هذه الأيام، بل من أطفالنا هذه الأيام من يحمل هم الدين ويحمل هم الإسلام أفضل ممن عمره المائة عام، إن هذا الطفل ليحمل بين طياته أعظم مما يحمل أبو المائة عام.

شاب من الشباب يأتي إلى أبيه يوماً من الأيام ويعترض عليه ويقول: يا أبتاه! نحن في نعمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا، وعندنا في كل شارع من الشوارع هذه الثلاجة التي نضع فيها الريال فتخرج لنا من هناك عصيراً أو ما أشبهه، ففكر هذا الشاب كيف يخدم دينه من خلال هذه، الشراب ليس ضرورياً، البيبسي ليس ضرورياً، هذه المشروبات جميعاً ليست ضرورية، إن أيقاظ القلوب وغذاء الأرواح أهم من هذه، ماذا فكر هذا الصبي؟ قال: لتملأ هذه الثلاجة بالأشرطة الإسلامية فيأتي الواحد فيضع الريال فيخرج له شريطاً، إن كان من الذين يحبون هذا فهذا شيء طيب، وإن لم يكن من هؤلاء فقد ذهب الريال ولن يعود إليه ولابد أن يأخذه لعله يستفيد منه تفكير صبي من الصبيان إنه تفكير عظيم يا أيها الأحبة!

فنحتاج إلى هذا التفكير كيف نخدم ديننا؟ لا نخدم ديننا يا أيها الأحبة إلا بعد أن نتشبع من هذا العلم، العلم الشرعي الذي يقربنا من الله عز وجل، يوم تمتلئ قلوبكم علماً ويقيناً تتجهون إلى الله عز وجل، ويوم يصد الإنسان يعم الله بصيرته، لكن نقول للصاد: عد تجد الله تواباً رحيماً واحمد الله أن أمهلك.

شاب من شباب هذا البلد كان يعصي الله عز وجل في حرم الله -ويا أيها الإخوة هذه نعمة نحن فيها إن استغلينا هذه النعمة، فإن انعكست فويل ثم ويل لنا أن نعصي الله في حرم الله- هذا الشاب كان صاداً وناداً عن الله عز وجل، لا يكاد يرعوي فيأتيه أحد الشباب الطيبين أمثالكم ويقول له: يا أخي! اتق الله، تعصي الله في حرم الله؟! اللهم لا تغفر له.

وهذا يأس من هذا الشاب، ولكن ذاك زُئر ودهش وتذكر قدومه على الله عز وجل، وتذكر أن الذي لا يغفر له مصيره إلى النار التي سمعتم بعض أوصافها قبل قليل، فماذا كان منه؟ قال: يا رب أسألك بحسن ظني فيك إلا قبلتني، اللهم إني ألقيت إليك مقاليد أمري فاقبلني، اللهم قد أقلعت وتبت وندمت وعدت إليك فاقبلني، ويذهب حسيراً كسيراً نادماً على المعصية التي فرط فيها، يوم صحا قلبه وتأثرت روحه ورقت، رجع إلى الله عز وجل.

يقول: فقام يصوم نهاره ويقوم ليله، ويأتي فيذهب ليحرم من خارج الحرم، ويدخل إلى الحرم وبينما هو يطوف بالبيت وبين الركن والحجر يسقط هناك ميتاً حسن خاتمة بإذن الله جل وعلا.

من عاد إلى الله عز وجل بصدق بلغه الله عز وجل حسن الخاتمة، وما بعد حسن الخاتمة إلا كل خير بإذن الله سبحانه وتعالى.