للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لن تنجح الدعوة بفضول الأوقات]

علمتني الحياة في ظل العقيدة: أنه لا نجاح للدعوة ولا ثمرة لها إن نحن أعطيناها فضول أوقاتنا، إذا لم ننس معها طعامنا وشرابنا وراحتنا، إذا لم نجند كل طاقتنا فلن نفلح في إيصال الأمانة التي كلفنا الله بها.

يقول صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عني ولو آية} لم يدع فرصة لكسول ولا لخامل ولا لتنبل ولا لبطال: {بلغوا عني ولو آية} ألا فليكن الوجود للإسلام، والرسالة الإسلام، والهوية الإسلام، له نحيا وبه نحيا وعليه نموت، حزننا لله وغضبنا لله ورضانا لله حياتنا لله ومماتنا لله، لسان حال الواحد منا:

قد اختارنا الله في دعوته وإنا سنمضي على سنته

فمنا الذين قضوا نحبهم ومنا الحفيظ على ذمته

ها هو نوح يدعو ويسعى -كما سمعتم قبل قليل- لا يفتر ولا ييئس بالليل والنهار لمدة تسعمائة وخمسين عاماً، ماذا بقي في حياة نوح لم يسخر للدعوة إلى الله جل وعلا؟ وما النتيجة؟ لم يؤمن معه كما سمعتم إلا قليل.

وهاهو صلى الله عليه وسلم يحمل هم هذا الدين ويثقل الهم به حتى يواسيه ربه سبحانه وتعالى بقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:٨].

يريد حياتهم ويريدون موته.

يريد نجاتهم ويريدون غرقه.

يأخذ بحجزهم وهم يتهافتون كالفراش على النار.

ثم انظر من بعده إلى صحابته رضوان الله عليهم تجد حياتهم قد أوقفت لله رب العالمين، في اليقظة يعملون لهذا الدين، وفي الليل يعملون لهذا الدين، أمانيهم حتى لخدمة هذا الدين، لم تكن حول قضايا شخصية ولا هموم أرضية، يجمع عمر أصحابه يوماً من الأيام ويقول: تمنوا.

فيقول أحدهم: أتمنى أن يكون معي ملء هذا البيت جواهر فأنفقها في سبيل الله.

فيقول الآخر: أتمنى أن يكون معي ملء هذا البيت ذهباً أنفقه في سبيل الله.

فيقول عمر: لكني أتمنى أن يكون معي ملء هذا البيت رجالاً أستعملهم في طاعة الله.

حملوا هم هذا الدين:

لا تعرضن بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد

فهل أعجبتك خصالهم:

إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك

فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك

ليسأل كل واحد منا نفسه: كم جعل من وقته للدعوة إلى الله؟ ماذا قدم لدين الله عز وجل؟ ماذا قدم لنفسه؟ كم اهتدى على يديه؟

إن الإجابات واضحة ومخجلة، لم نعط للدعوة سوى فضول أوقاتنا وسوى فضول جهودنا إلا عند من رحم الله، لكن الفرصة لا زالت قائمة، فجد واجتهد عبد الله وسارع فستبقى طائفة على الحق منصورة، فجند نفسك أن تكون في ركاب هذه الطائفة.

فإن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج

وإنا لندعو الله حتى كأنما نرى بجميل الظن ما الله صانع