للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية اختيار الأصحاب]

علمتني الحياة في ظل العقيدة: أن الصاحب ساحب، وأن القرين بالقرين، وأن الناس أشكال كأشكال الطير؛ الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والدجاج مع الدجاج، والنسور مع النسور، والصقور مع الصقور، وكل مع شكله.

والطيور على أشكالها تقع.

والخليل على دين خليله.

فَفِرّ من خليل السوء فرارك من الأسد؛ فهو أجرب مُعدٍ، يقودك إلى جهنم، إن أجبته قذفك فيها، وسيكون لك عدواً بين يديْ الواحد الأحد: (الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:٦٧].

هاهو عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ولا يؤذيه وكان كافراً، وليس كبقية قريش إذا جلسوا معه صلى الله عليه وسلم يؤذونه، وكان لـ ابن أبي معيط صديق كافر غائب بـ الشام، وقد ظنت قريش أن عقبة قد أسلم لما يعامل النبي صلى الله عليه وسلم من معاملة حسنة، فلما قدم خليله من الشام، قالت قريش: هاهو خليلك ابن أبي معيط قد أسلم.

فغضب خليله وقرينه غضباً شديداً، وأبى أن يكلم عقبة، وأبى أن يسلم عليه، حتى يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فاستجاب عقبة له وآذى النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه خنقه بتلابيبه ذات مرة، وحتى إنه بصق في وجهه الشريف مرة أخرى، فاستأثر بكل حقارة ولؤم على وجه الأرض في تلك الساعة، وكان عاقبته أن مات يوم بدر كافراً، فأنزل الله فيه وفي أمثاله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً) [الفرقان:٢٧ - ٢٩].

فإياك وصديق السوء؛ فإنه يعدي كما يعدي الصحيحَ الأجربُ.

إذا كنت في قومٍ فصاحب خيارَهم ولا تصحب الأرْدَى فتردى مع الردِي

عن المرءِ لا تسأل وسَلْ عن قرينِه فكلُّ قرينٍ بالمُقَارن يقتدي

من جالس الجُرب يوماً في أماكِنها لو كان ذا صحةٍ لا يأمن الجربا

أنت في الناس تقاسُ بالذي اخترتَ خليلاً

فاصحبْ الأَخْيار تعلُ وتنلْ ذكراً جميلاً