للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عزة يزيد بن معاوية أمام قيصر]

هاهو جيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه بقيادة ابنه يزيد يقف على أطراف القسطنطينية قريباً من أسوارها -جيشٌ مغفور له كما ثبت في صحيح البخاري - وفي الجيش بعض أفراد ذلك الجيل على رأسهم: أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، حل به مَرَض -مَرِض مرضاً شديداً- فأتاه يزيد ليعوده، ويقول له: [[ما حاجتك أبا أيوب؟ قال: ادفني عند أسوار القسطنطينية، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يدفن عند أسوار القسطنطينية رجل صالح} وإني لأرجو الله أن أكون أنا هو.

إن النفوس إذا سمت وتهذبت وتوجهت تعلو إلى جناتها

جاءته المنية هناك، ما ضيع وما قصر وما فرط رضي الله عنه وأرضاه القتال دائر، ويأمر يزيد بتكفينه، فيحمل على السرير تخرج به الكتائب لتنفذ وصيته، ويدفن عند الأسوار تحت سنابك الخيل، ينظر قيصرهم إلى سريره يُحْمَل تحت ظلال السيوف، فيرسل قيصر إلى يزيد: ما هذا الذي أرى؟ فيقول يزيد: [[هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سألنا أن نقدمه في بلادك، ونحن والله الذي لا إله إلا هو منفذون وصيته أو نهلك جميعاً ونلحق بالله]].

فيا لَلَّه!

إن لم يكن في حياة المرء من شرفٍ فإنه بالردى قد تشرف الرممُ

قال: عجباً! أين دهاؤك؟! وأين دهاء أبيك الذي يُنسب له؟! يرسلك أبوك فتأتي بصاحب نبيك -ونقول: صلى الله عليه وسلم- وتدفنه في بلادنا حتى إذا ما وليت أخرجناه للكلاب؟!

فقال يزيد في سمو وسماء وعزة: [[إنك كافر بالذي أكرمت هذا له، وإني والله ما أردت إيداعه بلادكم حتى أودع كلامي آذانكم، والله الذي لا إله إلا هو مَن أكرمتُ صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم له، لئن بلغني أنه نُبِش قبرُه، أو مثل به، لا تركتُ في الأرض الإسلام نصرانياً إلا قتلته، ولا كنيسة إلا هدمتها]].

جعل الخطام بأنف كل مخالفٍ حتى استقام له الذي لم يُخْطَمِ

فقال: لِلَّه أنت، أبوك كان أعلم بك، فوحق المسيح لأحفظنه بيدي إن لم أجد من يحفظه.

ولا عجب! فالحق قد أجاب، والذل قد وجب.

وموجة النهر في عين الجبان بها غول وحوت وتنين وتمساحُ

وشتان ما بين السماء والسماوة!

وتبقى الآحاد والفئات ممن استقت من ذلك النبع الصافي على تلك العزة في كل آن، محلقة سامية للسماء ناطقة تقول:

ومن لم يقوَّم بهدي الكتاب فبالسيف يا صحابي قُمْ