للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علي وزوجه فاطمة في مواجهة شظف العيش]

وهاهي زوجه فاطمة -رضي الله عنها- ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخرج الإمام البخاري: أنها شكت ما تلقى من أثر الرحى، فقد جرت بها حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وقمت البيت حتى أثرت في هيئتها، اشتكت يوم أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بسبي؛ علها تعطى منهم من يخدمها، بلا هلعٍ ولا طمعٍ ولا جزعٍ ولا جشع، عجباً لأمرها بل لأمر المؤمن! {إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا له} إنها ابنت المجد!

المجد يشرق من ثلاث مطالع في مهد فاطمةٍ فما أعلاها

هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يداني في الفخار أباها

أما أبوها فهو أكرم مرسلٍ حادي النفوس إذا تروم هداها

وعلي زوجٌ لا تسل عنه فما أزكى شمائله وما أنداها

دايونه كوخٌ وكنز ثرائه سيفٌ غدا بيمينه تياها

انطلقت رضي الله عنها إلى أبيها صلى الله عليه وسلم، فلم تجده، فأخبرت عائشة رضي الله عنها بما أرادت، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته عائشة بمجيء فاطمة وبطلبها، فجاء في بعض الروايات أنه قال: {لا والذي نفسي بيده ما دام في الصفة فقير} لا يحابي أقاربه صلوات الله وسلامه عليه حتى ولو كانت ريحانته، على حساب من هم أشد حاجةً وفقراً ممن لا مال له ولا أهل، حاشاه صلوات الله وسلامه عليه

تقول فاطمة: {فجاء إلينا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم، فقال: على مكانكما! فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، ثم قال: ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتماني؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إذا أخذتما مضجعكما؛ فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم} فما تركاها بعد رضي الله عنهما وأرضاهما.

معشر المسلمين! إن القلوب إذا عمرت بذكر الله، هانت عليها المصائب، وسمت في أفكارها المطالب، وأصبح أصحابها يستعذبون الشدائد في سبيل الله، ويرون أنها أبواب خير لرفع رصيدهم من الحسنات، وخفض رصيدهم من السيئات كما يقول صاحب التاريخ الإسلامي مواقف وعبر.

يا لله! عليٌّ يؤجر نفسه لامرأة على تمرات، وفاطمة تطحن بالرحى وهي من سيدات الأمهات، إنه شظف العيش في هذه الأسرة الكريمة، يصحبه الرضا والتسليم، والصبر الجميل، وما ضرهم يزول ويزولون:

قد تجوع الأسد في آجامها والذئاب الغبس تعتام القتب

والنعيم لا يدرك بالنعيم.

فليفهم يا أبناء الجيل! ويا فتاة الإسلام! هذه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرعٌ طاب أصله، وزكى غرسه

هي أسوة للأمهات وقدوةٌ يترسم الركب المنير خطاها

جعلت من الصبر الجميل غذائها ورأت رضا الزوج الكريم رضاها

فمها يرتل آي ربك بينما يدها تدير على الشعير رحاها

بلت وسادتها لآلئ دمعها من طول خشيتها ومن تقواها

في روض فاطمةٍ نما غصنان لم ينجبهما في الكائنات سواها

فأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب؟

هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب؟

كلا، يا بنت الإسلام!

فلتحذري من دعاة لا ضمير لهم من كل مستغربٍ في فكره خرب

أسموا دعارتهم حريةً كذباً باعوا الخلاعة باسم الفن والطرب

هم الذئاب وأنت الطعم فاحترسي من كل مفترسٍ للعرض مستلب

أختاه! لست بنبتٍ لا جذور له ولست مقطوعةً مجهولة النسب

أنت ابنة الطهر والإسلام عشت به في حضن أطهر أمٍ من أعز أب