للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللسان سلاح ذو حدين]

معشر الإخوة! الجوارح جوارح، وأخطرها شأناً أداة البيان اللسان، ترجمان الجنان، كاشف مخبئات الصدور، زارع الضغينة والفتنة في الصدور، تسل السيوف وتدق الأعناق بكلمات، تقوم صراعات وتثور فتنٌ بكلمات، تضيع أوقات، وتشاع اتهامات، وتقذف محصنات غافلاتٌ مؤمنات بكلمات، تهدم حصونٌ للفضيلة وتزرع الهموم والحسرات بكلمات.

بكلماتٍ يقال على الله بلا علم وذاك قرين الشرك أكبر الموبقات، السبُّ والهمز واللمز واللعن والغيبة والطعن والنميمة والقذف والفحش والبذاءة كبائر بكلمات، إنها شجرات لا قرار لها؛ مجتثات مستأصلات خبيثةٌ سماؤها وأرضها وماؤها.

فإن شئت عنا يا سماء فأقلعي ويا ماءها فاصبب ويا أرض فابلعي

وفي المقابل تستيقظ الضمائر، وتحيا المشاعر، وتلين الجلود، وتحيا القلوب، وتذرف العيون، ويسعد المحزون، وتعلو الهمم بكلمات، إنما هي شجراتٌ طيبات، تؤتي أكلها كل حين بإذن الله رب الأرض والسموات.

بين الجوانح في الأعماق سكناها فكيف تنسى ومن في الناس ينساها؟!

البيان ما البيان؟

إنه ذو حدين أحدهما -وهو المقصود- خطر جسيم، وشأنٌ عظيم، سلاحٌ فتاك؛ إن لم يضبط أهلك الحرث والنسل وزرع الشتات، يلدغ كالأفعى؛ ويحرق كاللظى، بحروفٍ تقطع الأواصر وتفصم العرى، وتكدر النفوس، وتضيق الصدور، ويهجر المسلم أخاه وأمه وأباه:

وهاجت سيوف وماجت حتوف وسال دم فوق مجرى دمي

وأصبح القول والأسماع تنبذه كأنه نسمٌ في جوف موءود