للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعادة الأخروية]

أما السعادة الثانية: فهي سعادةٌ أخروية دائمة لا انقطاع لها أبداً: وهذه هي المطلوبة، فلو حصل للإنسان في حياته ما حصل من التعاسة والشقاء لم يكن بعد ذلك نادماً أبداً؛ لأن غمسة واحدة في الجنة تُنسيه تلك الآلام، وتُنسيه ذلك الشقاء وتلك التعاسة.

ويا أيها الأحبة! إن سعادة الدنيا مقرونة بسعادة الآخرة، وإنما السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، للصالحين والصالحات، للطيبين والطيبات، للقانتين والقانتات، للعابدين والعابدات، للمتقين والمتقيات؛ اسمع إلى ربك يوم يقول سبحانه وبحمده: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] فالسعادة كلها في طاعة الله، والسعادة كلها في السير على منهج الله وعلى طريقة محمد بن عبد الله صلى وسلم عليه الله، يقول الله جل وعلا: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧١] والشقاوة كلها في معصية الله، والتعاسة كلها في منهجٍ غير منهج الله وغير منهج محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِيناً} [الأحزاب:٣٦].

فيا أيتها الأخوات المسلمات! هل تُردْن السعادة؟ إن كنتن كذلك، وما أظنكن إلا كذلك.

فلتسمعن مني النصيحة والعتاب

من مخلصٍ في نصحِكن يرجو لَكُنْ حُسن الثواب

يخشى على هذه الوجوه من الحميم من العذاب

أخواتنا لا تغضبن فالحق أولى أن يُجاب

أيتها الأخت المسلمة! بصوتِ المحب المشفق، وكلام الناصح المنذر، أدعوكِ وأدعو الكل وأدعو نفسي إلى تقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تُبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩]، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكفر تم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون َ} [آل عمران:١٠٦ - ١٠٧] تبيضُّ وجوهنا يوم أن نلقى الله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:٣٠] ألا هل تُردْن النجاة؟

إن النجاة لفي تقوى الله -جل وعلا- لا غير: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:٦١].