للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض مواقف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

ليس هذا فحسب، هل كانت أسوتكِ -أختي المسلمة- فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك التي تربَّت في بيت النبوة، وذاقت ما ذاقه ذاك البيت من أذى في سبيل الله عز وجل، ترى أباها صلى الله عليه وسلم وهو يقوم بالدعوة يقف صفاً واحداً، والبشرية كلها صفٌّ ضده.

تراه وهو يصلي، فيقول أحدهم: أيكم يُمهل هذا المرائي حتى يسجد، فيأخذ سَلى جَزور بني فلان، فيضعه على ظهره صلى الله عليه وسلم؟

رأت المنظر وهي طفلةٌ صغيرة تتربى على "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، يسجد أبوها، والسَّلى -والفرث والدم- على ظهره صلى الله عليه وسلم ولم يجد نصيراً له في تلك اللحظة بعد الله إلا ابنته فاطمة، وهي جارية صغيرة لتمتد إليه وتأخذه من على ظهره، وتدعو عليهم وتسبهم وتشتمهم، عاشت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام كان في مكة، ويوم هاجر إلى المدينة، ويوم استقرَّ هناك.

انظر إليها في تمسُّكها بدينها، وتمسكها بعفتها وحيائها وصبرها العظيم، تلك المرأة التي تزوجت بـ علي رضي الله عنه وأرضاه، فما حملت معها الجواهر ولا الفساتين، وما دخلت القصور ولا الدُّور، وإنما دخلت بيتاً من طين.

أما جهازها -يا أمة الله- فهو وسادة محشوة بليف، وسقاء وجرتين، ورَحَى تطحن الحبَّ عليها، وهي سيدة نساء العالمين -رضي الله عنها- وأرضاها ما ضرَّها ذلك وما أنقص من قدرها ذلك.

انظر إليها يوم يتحدث عنها زوجها في آخر حياته، يتحدث عنها علي -رضي الله عنه وأرضاه- فيقول: [[كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكانت أكرم أهله عليه- جرت بالرحى تطحن الحب حتى أثَّر الجر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّر الحبل في نحرِها رضي الله عنها وأرضاها، وقَمَّت البيت حتى تغيَّرت هيئتها رضي الله عنها وأرضاها، وأوقدت النار حتى تغيرت هيئتها، وأصابها من ذلك ضرٌ أيَّما ضر]].

اسمعي إليها يوم تقول -يوماً من الأيام-: [[خيرٌ للنساء ألا يَرَيْنَ الرجال، ولا يراهنَّ الرجال]].

بضعة منه صلى الله عليه وسلم أخذت من علمه وفقهه وحكمته صلى الله عليه وسلم.

انظري إليها يوم تَقمُّ البيت، وتوقد النار، وتجرُّ بالرَّحى، وتطحن الحب، وتصبر، ولم تتشكي، أو تسخط من قضاء الله عز وجل، ثم فوق ذلك تُربي أبناءها تربيةً عظيمة؛ تُربيهم على كتاب الله، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألَّا يُراقبوا أحداً غير الله عز وجل، فمن كان من أبنائها؟

كان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضى الله عنهم أجمعين.

هي بنت مَنْ؟ هي أمُّ مَنْ؟ هي زوج مَنْ؟ من ذا يساوي في الأنام علاها

أمَّا أبوها فهو أكرم مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها

وعليٌّ زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه تيَّاها

طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخدمها مملوكة من المماليك؛ فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: {لا والله! ما دام على الصفة فقير يحتاج إلى لقمة أو إلى كسرة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فذهبت إلى بيتها وقد تعبت من أعمال البيت، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها ليدخل بيتها وهي وزوجها في فراش واحد، ثم قال لهما صلى الله عليه وسلم: {أولا أدلكما على خير لكما من خادم} من الذي قال هذا؟ إنه من لا ينطق عن الهوى.

{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤]، قال: {إذا أويتما إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبِّرا أربعاً وثلاثين؛ فذلكما خير لكما من خادم}.

هل فعلنا ذلك يا أيها الأحبة؟

بل هل علمنا نساءنا أن يذكروا هذا الذكر قبل أن يناموا؟

إنه من المعين على خدمة البيت.

يقول علي: [[والله ما تركته من بعد ذلك اليوم حتى لقيت الله -جل وعلا- قالوا: حتى ولا ليلة صفين قال: ولا ليلة صفين]] في وسط المعركة وفي وسط ما حصل ما نسيه رضي الله عنه وأرضاه.

إني أقول لكنَّ أيتها الأخوات: عليكنَّ بهذا فذلكنَّ خيرٌ لكنَّ من خادم هل تعلمين يا أَمَةَ الله! أن في بيوت المسلمين -الآن- سبعمائة وخمسين ألف خادم في هذه الجزيرة، ما بين مسلمة وبوذية ونصرانية ومجوسية، تولَّى هؤلاء، فماذا تولوا؟

تولوا تربية فلذات الأكباد، والله إن هذا لأعظمُ الغش، وأعظم ما تغشين به أطفالك ومجتمعك وأُمتك وبلادك - الجزيرة - التي لا يجوز دخول كافر إليها أبداً.

يا أيها الأحبة! عليكم بهذا الدعاء فذلكما خير لكما من خادم، اذكري فاطمة يا أيتها الأخت المؤمنة! ثم اذكري ما عليه بعض أخواتك في الرغبة الملحة من النظر إلى الرجال، والحديث مع الرجال، والاختلاط بهم، وتشبههن بالكافرات في لباسهن ومشيتهن.

وبالله يا أختي المسلمة! أنت قمَّة، وأنت فضيلة، وأنت طهر قمة بالقرآن فضيلة بالإيمان طهر بتمسكك بهذا الدين؛ فكيف تتشبه القمة بالسافلة؟ وكيف تتشبه الفضيلة بالرذيلة؟ وكيف يتشبه الطهر بالنجس؟

يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العود ما بقيَ اللِّحاء

فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

إني لأذكركِ مرات ومرات بتلك المؤمنة الطاهرة التي يذكرها أهل السِيَر، بأنها قد قُتل لها ولد في إحدى الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تبحث عن ولدها بين القتلى وهي متنقبة ومتحجبة، فقيل لها: كيف تبحثين عنه وأنت متنقبة ومتحجبة قد لا تعرفينه؟! فأجابت إجابة المؤمنة، إجابة من أطاعت الله: [[لأَن أفقد -والله- ولدي خيرٌ من أن أفقد حيائي وديني! إن الله خاطب رسوله قائلاً: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩] والله ما أنا بخير من أمهات المؤمنين ولا من نساء المؤمنين ولا من بناته صلى الله عليه وسلم]].

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح