للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الحديث عن الإيمان]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة عبده وابن عبده وابن أمَتِه، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غُلْفاً.

اللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت به نبيا عن أمَّتِه، اللهم وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا تحت لوائه وزمرته.

اللهم أوردنا حوضه، واجعلنا من أتباع سنته وشرعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بسنته.

اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم أرنا الحق حقاً، والباطل باطلاً.

اللهم وفقنا لاتباع الحق، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في ابتغاء وجهك، وطلب مرضاتك: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنّا سيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} [آل عمران:١٩٣]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وبعد:

أحبتي في الله: أشهد الله الذي لا إله إلا هو على حبِّكم فيه، وأسأله أن يجمعنا وإياكم على الإيمان والذكر والقرآن في هذه الحياة، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، ثم أسأله أخرى أن يجمعنا في جنات ونَهَر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله: -وأنا أعلم بنفسي منكم- ظن بي إخوتي ظناً عظيماً، فدعوني فلم أملك إلاَّ أن أجيب، ثم دعوكم فظننتم نفس الظن وأجبتم، فخيرا جزيتم، وما أراني -والله- بينكم الليلة إلا كبائع التمر على أهل هجر، لكني أسأل الله -الذي بيده مقاليد كل شيء- أن يجعلني خيراً مما تظنون، وأن يغفر لي ما لا تعلمون، وألا يؤاخذني بما تقولون، وحسبي أن ألقي عليكم هذه الكلمات، التي أسأل الله أن يجعلها لي ولكم ذخراً ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، وأن يجعلها من صالحات الأعمال، وخالصات الآثار، والفضل أولاً وآخراً لله الواحد القهار.

يا رب أنت خلقتني وبرأتني جمَّلت بالتوحيد نطق لساني

وهديتني سبل السلام تكرماً ودفعتني للحمد والشكران

وغمرتني بالجود سيلاً غامراً وأنا أقابل ذاك بالكفران

فلك المحامد والثناء جميعه والشكر من قلبي ومن وجداني

فلأنت أهل الفضل والمنِّ الذي لا يستطيع لشكره الثقلان

أنت الكريم وباب جودك لم يزل للبذل تعطي سائر الأحيان

أنت الحليم بنا وحلمك واسع أنت الحليم على المسيء الجاني

أنت القوي وأنت قهار الورى لا تعجزنَّك قوة السلطان

أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان

ونشرت لي في العالمين محاسناً وسترت عن أبصارهم عصياني

والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليَّ من يلقاني

ولأعرضوا عني وملُّوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوان

لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني

لبيك يا ربي بكل جوارحي لبيك من روحي وملء جناني

اجعل رجائيَ في ثوابك رائدي واقبل مقلَّ الجهد في التبيان

يا رب لا تجعل جزائيَ سمعة تسري على البلدان والأكوانِ

أنت المضاعف للثواب فإن يكن مثقال خردلة على الميزان

تعطي المزيد من الثواب مضاعفاً من غير تحديد ولا حسبان

فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوانحي ولساني

أحبتي في الله: الإيمان والحياة، لسائل أن يقول: لِمَ كان اختيار هذا الموضوع؟

فأقول: وهل حياةٌ بلا إيمان؟ إنه الحياة وكفى، لذا لا ينبغي أن يكون الإيمان أمراً هامشياً في هذه الحياة، بل هو قضية القضايا، لا يجوز أن نغفله أو نستخف به أو ندعه في زوايا النسيان؛ كيف لا وهو أمر يتعلق بوجود الإنسان ومصيره؟!

إنه لسعادة الأبد، وإن عدمه لشقاوة الأبد، إنه لجنة أبداً لصاحبه، والنار أبداً لمن تنكبه؛ لذا كان لِزَاماً عليَّ وعلى كل مؤمن بالله، بل وعلى كل ذي عقل: أن يفكر في حقيقة الإيمان وأثره على الحياة؛ حتى يطمئن القلب، وينشرح الصدر، وتسكن النفس، خصوصاً ونحن في عصر أصبح الناس يجرون وراء المنفعة لاهثين، حتى إن كثيراً منهم ليرون الحق فيما ينفعهم ويتفق مع أهوائهم لا فيما يطابق الواقع أو تقوم الدلائل والبراهين على صحَّته: {ولَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ} [المؤمنون:٧١].

الفرد بلا إيمان ريشة في مهَبِّ الريح، لا تستقر على حال، ولا تسكن إلى قرار، أينما الريح تميلها تمل، الفرد بلا إيمان إنسان لا قيمة له ولا جذور، إنسان قلق، متبرِّم، حائر، لا يعرف حقيقة نفسه ولا سر وجوده، لا يدري من ألبسه ثوب الحياة؟ ولماذا ألبسه إياه؟ ولماذا ينزعه عنه بعد حين؟

الفرد -باختصار- بلا إيمان: حيوان شَرِه، وسبع فاتك مفترس، بقلب لا يفقه، بأذن لا تسمع، بعين لا تبصر، بهيمة؛ بل أضل.

والمجتمع كذلك، المجتمع بلا إيمان مجتمع غابة وإن لمعت فيه بوارق الحضارة؛ لأن الحياة فيه للأقوى لا للأفضل والأفقه.

المجتمع بلا إيمان مجتمع تعاسة وشقاء وإن زخر بأدوات الرفاهية من الرخاء.

المجتمع بلا إيمان مجتمع تافه مهين رخيص، غايات أهله لا تتجاوز شهوات بطونهم وفروجهم: {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [محمد:١٢]

ومن هنا جاءت الحاجة الماسَّة الملحَّة للحديث عن الإيمان وأثره في الحياة بعمومها، حياة الفرد والمجتمع، حياة الأمة بأسرها.

وإني قبل أن أبدأ لأهنئ هذه الوجوه على إيمانها بالله الذي لا إله إلا هو، فهنيئاً لكم الإيمان، وهنيئاً لكم القرآن، وهنيئاً لكم التوحيد، وهنيئاً لكم الإسلام، هنيئاً لكم يوم يغدو النصارى إلى بيوت الصلبان، ويغدو اليهود إلى بيوت الشيطان، ويغدو المجوس إلي بيوت النيران، ويغدو المشركون إلى بيوت الأوثان، ثم تغدون أنتم إلي بيوت الرحمن: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:٣٦].

فاللهم لك الحمد على نعمة الإيمان، أنت الموفق فلك المنَّة والفضل على نعمة الإيمان: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:١٧].