للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموت صرخات وزفرات]

فلا إله إلا الله كتب الموت على كل شيء واختص نفسه سبحانه بالبقاء {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧].

في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني! وإن كانت غير ذلك قالت -بصرخات تقض المضاجع-: يا ويلها أين تذهبون بها، لما ترى من العذاب، فيسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن} وتفزع البهائم فزعاً يلاحظه من يتابع سير البهائم بلا سبب، فلعل ذلك مما تسمعه ولا نسمعه نحن من صرخات المفرطين التي تقض المضاجع.

أما والله لو حملنا جنازةً من الجنائز ثم سمعنا تلك الصرخات -يا ويلها أين تذهبون بها- لصعقنا، ولما تدافنا، ولما حملنا جنازة أبداً، ولقد خشي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا كما في الصحيح يوم يقول: {والله لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع} وها هو صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث البراء يرى أُناساً مجتمعين فيسأل عن سبب اجتماعهم؟ فقيل: على قبرٍ يحفرونه، على ذاك المصير الذي لابُدَّ لكل واحد منا أن يسكنه؛ كبر أم صغر، عزَّ أم ذل، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً مسرعاً حتى انتهى إلى القبر، فجثى على ركبتيه ثم بكى طويلاً، ثم رفع رأسه، فإذا دموعه تتحدر على لحيته قائلاً: {أي إخواني! لمثل هذا فأعدوا}.

إلى كم ذا التراخي والتمادي وحادي الموت بالأرواح حادي

فلو كُنَّا جماداً لاتعظنا ولكنا أشد من الجماد

تُنادينا المنية كل وقت وما نصغي إلى قول المنادي

وأنفاس النفوس إلى انتقاصٍ ولكن الذنوب إلى ازدياد

إذا ما الزرع قارنه اصفرار فليس دواؤه غير الحصاد

كأنك بالمشيب وقد تبدَّى وبالأخرى مُناديها يُنادي

وقالوا قد قضى فاقرأ عليه سلامكمُ إلى يوم التنادي