للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اقتربت الساعة فالعمل العمل]

ها هو الإمام أحمد في مسنده يروي: {أن راعياً خرج بغنمه إلى الفلاة في يومٍ من الأيام، وجاء ذئبٌ فعدى على شاةٍ، فانقضَّ عليه الراعي وأمسك بالشاة وأخذها من فم الذئب، فما كان من الذئب إلا أن تأخر وأقعى على ذنبه، وتكلم كلام الإنس وقال: أما تتقي الله تأخذ رزقاً ساقه الله إليّ، فقال الراعي: يا عجبي! ذئبٌ يتكلم، قال الذئب: وأعجب من ذلك محمد بشر يُخبرك بأنباء من سبق، فما كان من هذا الراعي إلا أن أخذ غنمه وانطلق بها إلى مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليدخل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويخبره الخبر، فيُنادي النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة -لاجتماع الناس- فيجتمع الناس، فيقول صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس} ولقد كلمت السباع الإنس على عهد محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال: {بعثت أنا والساعة كهاتين} وأشار بإصبعيه صلى الله عليه وسلم، فماذا يقول من كان بعده بأربعة عشر قرناً، نسأل الله أن يحسن الحال.

ليس هذا فحسب، فقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أن أهل مكة سألوه آية على قدرة الله عز وجل ليؤمنوا كما ادعوا، فسأل ربه آية، فانفلق القمر فلقتين، فلقة على جبل وفلقة على جبل آخر، فقالوا سحر أعيننا محمد -واستكبروا وصدوا وندوا- وقال المنصف منهم: نذهب إلى أهل البوادي فنسألهم هل رأوا ما رأينا، فذهبوا إلى البادية وسألوهم، قالوا: إي والله! قد انفلق فلقتين في تلك الليلة، فقالوا مصدين ومعرضين: سحرٌ عمَّ البادية والحاضرة، فأنزل الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:١ - ٢]}.

وها هو صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لا يمر على شجرة قبل أن يبعث إلا وقالت: السلام عليك يا رسول الله! ولا يمر على حجرٍ إلا قال: السلام عليك يا رسول الله! جماد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشرٌ صدوا وندوا عنه صلى الله عليه وسلم، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم بعد أن أصبح بـ المدينة: {والله! إني لأعرف حجراً بـ مكة كان يسلّم عليَّ قبل أن أُبعث}.

ليس هذا فحسب؛ فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً من الأيام في فلاة ليقضي حاجته، قال: فتبعته بماءٍ له، قال: وإذا به يأتي إلى واد على شاطئيه شجرتان، قال: فلم يجد ما يستتر به، فذهب إلى إحدى الشجر وأمسك بأغصانها، وقال: انقادي بإذن الله، قال: فوالله! لقد انقادت وراءه كما ينقاد البعير المخشوش -الذي في أنفه رباط يسحب به- ثم ذهب إلى الثانية فوضع يده عليها وقال: انقادي بإذن الله.

فانقادت معه، حتى جاءت وأصبح بينها فقال: التئما عليَّ بإذن الله.

فالتأما عليه حتى لا يرى صلى الله عليه وسلم وهو يقضي حاجته، قال: ثم ذهبت مولياً لئلا يبتعد المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا رآني وإذ به ينتهي من قضاء حاجته، ثم يقول للشجرة الأولى: ارجعي فترجع بأمر الله إلى مكانها، وترجع الثانية إلى مكانها} آيات ومعجزات ظاهرات بينات، لكن -يا أيها الأحبة- صدق قوم بذلك وآمنوا، فأطاعوا الله ورسوله، فكان لهم ما قاله الله جلَّ وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} [النساء:٦٩ - ٧٠].

وصنف آخر! كذَّب وصد واستكبر بعقل جامد، وقلب فارغ، ساه لاه لا يفقه، عين لا تبصر، وأذن لا تسمع، بهيمة في مسلاخ بشر، عصى الله وتعدى حدوده؛ فكان له ما قال الله جلَّ وعلا: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:١٤].

ها أنت -أخي الحبيب- رأيت صنفين لا ثالث لهما، وسمعت بغاديين لا ثالث لهما، غاد غدا لإعتاق نفسه من النار فهو الفائز، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يغدو ويروح في طاعة الله جلَّ وعلا.

وغادٍ آخر غدا ليوبق نفسه ويهلكها بالفسق والفجور فهو الخاسر، فأيَّ الغاديين أنت؟ فكلٌّ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.