للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من إيباق النفس ترك الصلاة]

وغادٍ آخر يغدو فيترك الصلاة ويتبع الشهوات؛ فيوبق نفسه كأنه لم يسمع قولَ ربِّ العزة والجلال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:٥٩]، كأنه لم يسمع قول الله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:٤ - ٥] كأنه لم يسمع الذين لم يصلوا يوم أصبحوا في النار، يوم يقول الله لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣].

الصلاة ركن هام، وفرض فرضه الله لأهميته من فوق سبع سماوات، أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم عُرج به إلى السماوات العُلا؛ لتفرض عليه من فوق سبع سماوات، أمانة عظيمة ويل لمن ضيعها، فمن تركها فقد كفر بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم يقول: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر} ويترتب على ذلك: ألاَّ يزوج؛ لأنه كافر، وإن كان متزوجاً بطل نكاحه، ولا يغسل إذا مات، ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث ولا يجوز الاستغفار له بعد موته، فلا يجوز أن نقول: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له؛ لأن الله يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:١١٣] وأسأل الله ألا يكون فينا من يترك الصلاة، يترك الصلة بينه وبين ربه، لكن قد نجد فينا الكسول الذي لا يصليها مع المسلمين وإنما يصليها في بيته، نقول لهذا: قد فَوَّتَّ على نفسك أجراً عظيماً، وارتكبت إثماً مبيناً، إن رب العزة والجلال يقول: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:٤٣] وهو القائل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} [النور:٣٦ - ٣٧].

تقول عائشة رضى الله عنها وهى تصف هيئة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته: [[كان يكون في خدمة أهله؛ يخصف نعله، ويعجن العجين أحياناً صلى الله عليه وسلم، فإذا سمع: الله أكبر؛ فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه]] سمع نداء الله فلبى نداء الله صلى الله عليه وسلم.

هو القائل صلى الله عليه وسلم في رؤياه -ورؤيا الأنبياء حق ووحي- كما روى البخاري عن سمرة بن جندب يقول: {أتاني الليلة آتيان، فانطلقا بي حتى جئنا على رجل مضطجع ممدود، وآخر قائمٌ عليه بصخرةٍ يثلغ رأسه ويتدهده الحجر، قال: ثم يصح رأسه فيعود كما كان، ثم يفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، قال صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لرجل يقرأ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة} لا إله إلا الله! أيُّ جسدٍ يطيق مثل هذا العذاب؟

وَرُوِيَ كما أخرج الحاكم عن ابن عباس: {ثلاثة لعنهم الله: رجل أم قوماً هم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجلٌ سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجبه} يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: [[لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب]] ويقول صلى الله عليه وسلم: {أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً.

ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب لأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وفي رواية: {ولولا ما فيها من النساء والذرية لفعلت ذلك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هذا غادٍ.