للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من الولاء للكافرين]

المتأمل في حياتنا يرى أننا نعيش في حال يرثى لها من البعد عن هذه الأصول العظيمة، والمقتضيات الجلية الواضحة، فمن المسلمين مَن أحبوا أعداء الله، بل واتبعوهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} منهم من اتبعهم ومنهم من لم ينكر عليهم، ومنهم من كان خطؤه في أنه أحب أعداء الله؛ وزاد على ذلك ببغض أولياء الله، وهذا ضلال مبين، فلم يكتف بأن يوالي الكافرين، بل زاد على ذلك معاداة الصالحين والمؤمنين! وبعضهم يعكس المسألة، لا يستطيع أن يرتب ولاءه وعداءه، وهذه آفة عظيمة تعتري القلوب، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما رتب الأعداء يجب عليك أن ترتبهم في العداوة وكما رتب حب أوليائه كذلك يجب عليك أن تحبهم على الترتيب الإلهي والنبوي، فأكثر من نحب في هذه الأمة هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم الصحابة، ثم السلف الصالح أصحاب القرون الثلاثة المفضلة؛ وهكذا بهذا الترتيب، فلا نحب أحداً ممن جاء بعدهم أكثر منهم، المحبة الإيمانية الدينية الشرعية، وكذلك في البغض، نبغض اليهود والمشركين والكافرين، ثم نثني ببغض أهل البدع والضلال والانحراف، ثم نثلث ببغض أهل المعاصي، والفجور، والفسق، والعصيان، وهكذا، فلو أننا عكسنا ذلك، بأن أبغضنا المسلم الذين فيه فسق ومعصية أكثر من اليهودي أو النصراني لكان ذلك خطأً بلا ريب، ووضعنا الشيء في غير محله، فكيف لو عكس الأمر فأصبح الواحد يبغض المؤمنين الصالحين، ولا يبغض أولئك الكافرين؟ هذا لا يمكن أبداً -ونعوذ بالله أن يكون فينا من يكون كذلك- لكن هذه الحقائق غائبة عن كثيرٍ من المسلمين لعوامل كثيرة مثل الضعف في النفوس، وقلة العلم، وقلة الدعوة وهكذا.

والمقصود هو أن نعلم أهمية هذا الأصل العظيم وأن نجتهد جميعاً في إحيائه، واقعنا العملي يدعونا إلى ذلك، فمثلاً: ليلة رأس السنة الميلادي، عند النصارى، وعند الكفار، ما يسمونه بعيد ميلاد المسيح عليه السلام فيا سبحان الله! هل يجوز أن نحتفل نحن بميلاد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو أفضل من عيسى -عليهما السلام- والذي نحن من أتباعه، لا، والله لا يجوز ولا نرضى ذلك ولا نقره وذلك لأنه مُبتدع، مُحدث، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ونحن -والحمد لله- نعظم رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعزره ونوقره ونحبه؛ ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، فلا نحتاج إلى أن نبتدع في دينه، أو نأتي بيوم نحتفل فيه بعيد ميلاده، كما يفعل بعض أهل البدعة أو الجهالة.

فإذا كان الأمر كذلك، فهل يجوز أن نحتفل بعيد النصارى؟! لا يجوز ذلك أبداً؛ لأن المسيح عليه السلام لم يحتفل بعيد ميلاده ولا دعا الناس إلى ذلك، ولا يستطيع أي نصراني في الدنيا -مهما كان- أن يأتينا بنص واحد عن المسيح عليه السلام ولا عن الحواريين-ولو كان محرفاً مبدلاً- أنه احتفل بعيد ميلاده أو دعا الناس إليه، ولو كان احتفالهم قراءة في الإنجيل! فهذا كله لم يرد.

فكيف -وهو مُحدث مُبتدع في دينهم- نأخذه نحن في ديننا؟ فكيف وهم يضيفون إلى البدعة والإحداث في الدين الكفر بالله -تبارك وتعالى-؟ فيزعمون في هذه الاحتفالات أن لله ولداً -تبارك الله وتعالى عن ذلك- ويزعمون أن الله ثالث ثلاثة، ويدَّعون أن له الصاحبة، ويشركون به في صلواتهم ودعائهم، ويضيفون إلى ذلك شرب الخمر، والاختلاط، والأمور التي لا يرضاها ولا يقرها عاقل -لا منهم ولا من المسلمين من باب أولى- فهذا معيار من معايير الصدق في الاتباع وصدق شهادة أن لا إله إلا الله وتوحيد الله تبارك وتعالى.

أمر آخر: كيف نرضى بأن يقيم أعداء الله بين ظهرانينا؟ كيف نستقدمهم؟ سواءً كانوا عمالاً، أو مهندسين، أو فنيين، أو خدماً، أو سائقين، أو أياً كانوا، يا سبحان الله! لو علم شخص أن قبيلةً من القبائل بلغ بها من العداوة لقبيلته أنهم يلعنون آباءه وأجداده ليل نهار، ويتهمونهم بكل مصيبة، أتراه يذهب إليهم، ويتعاقد ويتاجر معهم، ويحبهم، ويقربهم، ويدنيهم وفي إمكانه أن يأتي بغيرهم! لا والله؛ بل سيقول: كان ممن يسب قبيلتنا، ويسب آبائي وأجدادي، ويقول فينا هذا القول العظيم لا أحبه أبداً، هذا على الأقل من باب الغيرة القلبية، التي قد تكون مذمومة، وتكون محمودة، فإن لم تكن حمية لدين الله ولنصرته فهي مذمومة.

فيكف بمن يدَّعي أنه يُحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ تجد أنه لو سئل مسلم أتحب رسول الله؟ يقول: كيف لا أحبه؟ فإذا قيل له اسأل هذا الذي عندك سواء كان مهندساً، أو فنياً، أو عاملاً اسأله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ سيقول: دجال، كذاب ليس بنبي، أعوذ بالله! فكيف تؤوي وتنفق وتعطي المال من يعتقد في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الاعتقاد؟ أين إيمانك؟! أين محبتك له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! يدعي ويعتقد ليل نهار أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاذب مفتري، وأن القرآن باطل، وأن المسلمين هم أصحاب النار، ويدعو إليه، وينشره، ويجمع المال من هذه البلاد ويرسلها إلى إخوانه هنالك، كل هذا يقومون به ونحن نحترمهم، ونحبهم ونقدرهم ونستقدمهم ونتعاقد معهم! بل ربما تربي الخادمة أبناءنا على هذا! وقد نشرت صورة الطفلين الذَين كانا يسجدان أمام التنور -البوتجاز- يسجدان له؛ لأن الخادمة كانت مجوسية، فعلمتهما أن يسجدا ويركعا للنار؛ لأنها مجوسية والعياذ بالله.

هذا دينهم وهذا اعتقادهم! فكيف نؤويهم وبيننا وبينهم فوارق كبيرة؟! نحن نقول: لا إله إلا الله، وهم يقولون: إن الله ثالث ثلاثة! هذا إذا كانوا نصارى، أما إذا كانوا من الهندوس فالآلهة عندهم بالآلاف أو بالملايين! كل شيء إله، يعبدونه -تعالى الله عما يصفون- هذه عقيدتهم.

نحن نشهد أن محمداً رسول الله، وهم يشهدون في كل حين أنه كاذب، افتراءً على الله! وحاشاه من ذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

نحن نصلي الصلوات الخمس ونتوضأ لله كل حين، وهم لا يذكرون الله إلا على دينٍ باطل، ولا يصلون لله بل يستغيثون ويدعون غير الله سواء المسيح أو غيره، بل جعلوا عيسى عليه السلام هو الرب، وهو الذي قال لهم: اعبدوا الله ربي وربكم، سبحان الله! فهل بعد ذلك أحبهم وأشاركهم في العمل، ويكونوا معي في البيت، وأتعامل معهم بالتجارة وأنا أستطيع أن أستغني عنهم؟! لا والله، لا أتاجر معهم، ولا أشتري بضائعهم وأنا أستطيع أن أشتريها من مسلم، بل حتى في الطعام نحن نأكل الطعام الحلال الطيب، وهم يأكلون الميتة، والجيفة، والخنزير، ويشربون الخمر، سبحان الله! قذارة حسية، وقذارة معنوية، كفر، ذنوب مشينة، حياة نكدة، ومع ذلك نجد فينا من يحبهم أو يعظمهم أو يكرمهم أو يواليهم! سبحان الله العظيم! كيف يجتمع هذا وهذا؟!