للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الشرك والسحر]

السؤال

دعاء الجن والاعتقاد في الكهان أنهم يعلمون الغيب، ودعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مثل قولك: الله ومحمد- والحلف بغير الله، أرجو من فضيلتكم البيان هل هذه الأمور من الشرك المخرج من الملة أم لا؟ وما حكم من يخالف من يوجد عندهم هذا علماً أنه أنكر عليهم وأرشدهم وخاصة الأقارب؟

الجواب

أولاً: نسأل الله أن يرحمنا وأن يعافينا وإياكم من الشرك، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] هذا الخطاب لمن؟ لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول رب العزة والجلال لأفضل الخلق وخاتم الرسل، رسول العالمين ورحمته إليهم، يقول: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وهذا ليس فقط للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، بل لمن قبله من الأنبياء فنحذر الشرك {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:٧٢].

فعافانا الله وإياكم من الشرك، وكيف نشرك ونحن أمة التوحيد الذين نقول: نشهد أن لا إله إلا الله؟ نقولها ثم ننقضها، فمن نواقضها الشرك بالله بأي نوع من أنواع الشرك -عافنا الله وإياكم- فمثل هذه الأمور كلها نجتنبها وغيرها، فإذا ما اجتنبنا الشرك بالله وعرفنا أنه خطير، فلا نستنكر ممن يحُذرنا من الشرك؛ لأنه خطير حذَّر الله منه الأنبياء.

ننظر إلى دعاء الجن إذا دعاهم الإنسان واعتقد أنهم يضرون وينفعون، وقال: يا فلان من الجن! افعل وافعل، يا جن! افعلوا به وافعلوا وخذوه، معتقداً دعائهم، كما يدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهذا القصد، فهذا شرك أكبر، ودعاء غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شرك أكبر مخرج من الملة؛ لأن حقيقة الشرك هي هذه؛ لأن العبادة هي الدعاء كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {الدعاء هو العبادة} ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠].

إذا العبادة هي الدعاء والدعاء هو العبادة، فلا يدعو أحد أحداً إلا وقد عبده وهذا مما لا شك فيه، لكن إن كان قالها لأن اللسان قد اعتادها فقط ولا يقصدها ولا يعتقد حقيقتها؛ فيجب عليه أن يكفرها بشهادة أن لا إله إلا الله، يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، كما كان الصحابة الكرام أول ما أسلموا وما زالت تجري على ألسنتهم بعض ألفاظ من الشرك، والحلف بغير الله.

ويجب علينا أن ننصحهم جميعاً بغض النظر أننا نقول: خرجت من الملة، أو ما خرجت، نقول: دعاء غير الله شرك أكبر، ونقول: اتق الله ولا تشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

والاعتقاد في الكهان أنهم يعلمون الغيب هذا أيضاً من الكفر المخرج من الملة، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَعِنْدَهُ} [الأنعام:٥٩] وتقديم الظرف هنا للاختصاص، أي: أن علم الغيب له وليس عنده أحد غيره {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:٥٩] فإذا أتى شخص وقال: فلان يعلم الغيب، واعتقد ذلك كفر بهذه الآية وبأمثالها وكثير من الآيات والأحاديث.

فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن أحداً يعلم الغيب؛ حتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم الغيب إلا ما علَّمه الله وأظهره الله تبارك وتعالى عليه، ولهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- ونقرأ هذا في مناهجنا والحمد لله، ذكر من رءوس الطواغيت الخمسة من ادعى علم الغيب، الذي يدعي علم الغيب ليس مجرد مشرك، بل هو طاغوت، والطاغوت أعظم من المشركين، لأن المشركين إنما يشركون لتعلقهم بالطاغوت واتباعهم له، فالطاغوت مادة وأساس الشرك مثل هؤلاء.

وحقاً والله! انظروا الكهان المنتشرين في بعض المناطق، يدعون أنهم يعلمون الغيب، ويخبرون الإنسان باسمه واسم زوجته وأمه وكذا وكذا فيما يزعمون وفيما يدعون، فكم من الناس من يعتقد في هؤلاء، فيشرك الناس بسببهم، فهؤلاء طواغيت ولا غرابة أنهم يخبرونا بأمور غيبية.

ونقول: إنهم يطلعونا على أمور قد تكون غيباً بالنسبة لنا، وهي ليست بغيب بالنسبة لهم، وإنما يوحي بعضهم إلى بعض، هؤلاء لهم قرناء كل إنسان منا له قرين من الشياطين، والشياطين يوحي بعضها إلى بعض {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء:٢٢١ - ٢٢٣] كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما بين في الحديث يكذب مائة مرة ويصدق مرة واحدة، يفتن الله تعالى الناس بمرة واحدة يصدق فيها ذلك الكاهن، يلقي الشيطان الكلمة التي سمعها من الملأ الأعلى -من الملائكة- يلقيها قبل أن يدركه الشهاب -فتنة من الله- فيسمعها وليه من الإنس -الكاهن- فيخلط معها مائة كذبة، ويقول: فلان ستكون له كذا ويكون أمراً صحيحاً، وفلان وفلان، فيكذب معها مائة كذبة، فإذا اكتشف الناس أمره وقالوا: هذا كذاب، قال: ذاك اليوم كذا وبان كذبه، قال: هذا وإذا هو كذب، جاء الشيطان وأولياؤه وأعوانه، وقالوا: نسيتم تلك المرة عندما قال وبان صدقه! فيذكرون الناس بواحدة وينسون المائة الكذبة، لأن هؤلاء أعوانه من شياطين الجن والإنس يتعاونون.

فليس هناك غيب، لا يعلم الغيب إلا الله، وإنما وحي يوحيه الشياطين بعضهم إلى بعض، قرينك من الشياطين يذهب إلى الكاهن ويقول: سيأتيك فلان بن فلان واسم أمه كذا، واسم زوجته كذا، وعندها مرض كذا وكذا، ويدخل عليه، فيقول له: أنا أعرف لماذا أتيت أنت فلان بن فلان، وزوجتك كذا وعندها مرض كذا، فيقول: هذا الكلام صحيح، فلو لم يكن عنده برهان ما كان ليقول هذا الكلام ليدلس به علينا، لكن الشيطان ينسينا كلام الله وسنة رسوله، ويخرجنا من الملة بهذه الحيل الشيطانية الخبيثة عافنا الله وإياكم منها.