للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدم التقديم بين يديه وغضّ الصوت عنده

وأيضاً مما يجب لتحقيق هذه المحبة وهو لازم عظيم من لوازمها: التقديم بين يديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغض الصوت عنده يكون في حياته كما هو معلوم بالنسبة لشخصه ولذاته، وبعد مماته يكون بالتأدب مع سنته وغض الصوت، فلا يرتفع صوت رأي، ولا فكرة، ولا مذهب، ولا قياس فوق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد كان الصحابة الكرام، يدركون هذا المعنى غاية الإدراك كما ورد في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: {كنا عند عمران بن حصين في رهط منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذٍ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحياء خير كله -قال- أو قال: الحياء كله خير}.

الحديث المشهور المعروف {والحياء شعبة من الإيمان} والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {الحياء خير كله أو الحياء كله خير} هذا بلفظ عام لم يخصص بشيء، فقال بشير بن كعب: {إنا لنجد في بعض الكتب، أو الحكمة أن منه سكينة ووقاراً لله ومنه ضعف} يقول: نجد في بعض الكتب أو في بعض موروثات كتب الأولين أن من الحياء سكينةً ووقاراً ولكن أيضاً، أن منه ضعف.

{قال أبو قتادة: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارض فيه، ثم يقول أبو قتادة: فأعاد عمران الحديث، فأعاد بشير، فغضب عمران}.

ولا شك أن الغضب الثاني أشد من الغضب الأول، فلما رأى أولئك الرهط ثورة عمران، أخذوا يهدئونه قال أبو قتادة: {فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به}.

يقولون: يا أبا نجيد، إن بشيراً هذا منا، إنه ليس من أهل البدع ولا من أهل النفاق ولا من أهل الزيغ والضلال، فما حصل منه هو عمل أهل الزيغ وأهل الضلال وأهل النفاق الذين إذا قيل لهم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: إن الأمر كذا، ولكن فلاناً قال كذا، ولكن العلماء قالوا كذا، ولكن المذهب فيه كذا، ولكن الشيخ الفلاني أفتى بكذا، إلى آخر ذلك.

ولذلك الإمام الشافعي رحمة الله عليه، عبَّر عن ذلك تعبيراً عظيماً حين جاءه رجل يسأله عن أمر من الأمور، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا -وتلا عليه حديثاً- فقال له الرجل: فما رأيك أنت؟ فغضب الإمام الشافعي رضي الله عنه، غضباً شديداً، وقال: أتراني في كنيسة؟! أترى عليَّ زناراً؟! أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول ما رأيك أنت.

فكانوا يعلمون ويدركون أنه لا رأي لأحد مع كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع هديه، ومع سنته.