للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أخلاق المصلح]

السؤال

رجل دعوته إلى تحكيم أمر الله تعالى في مشكلة وقع فيها فأبى، وقال: حكم من وراء ظهري، مع أنه مخطئ، فقلت للذي يريد أن يصلح بين صاحب المشكلة وصاحبي: إن الرافض للتحكيم رجل متعصب للهوى، فهل هذا بهتان عليه أم أني أصبت؟

الجواب

أنت يا أخي جعلتني قاضياً، وفرق بين القاضي والمفتي، فمقام الإفتاء سهل، لكن مقام القضاء صعب جداً، والذي أخذه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على عبده داود عليه السلام أنه لما جاءه الخصم وتسوروا المحراب وشكا أحدهما {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص:٢٣] إلخ القصة، ولوضوحها قال: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص:٢٤] يريد أخذ الواحدة من المسكين!! لكن لو أن الآخر تكلم لربما قال: يا نبي الله إن لي (١٠٠) نعجة وسرق هذا منها نعجة، ويريد أن يأخذها، ويمكن أن يكون الحق معه، ولهذا آخذه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ونريد أن ننصح الإخوة نصيحةً، ولا نفتي فيها، فننصح بعدم إساءة الظن ما أمكن وحمل الكلام على أفضل المحامل، فقل: لا يعنيني، وقل: لعله كذا، ولعل كذا، حتى لو رأيت أن فيه هوىً، فقل: لعل في نفسه هوى، ولا سيما وأنت إن شاء الله من المصلحين، فالمصلح ينبغي له أن لا يتحول إلى خصم.

وهذه الأشياء هي التي يجب أن يتحلى بها المصلح، ولهذا المصلحون دائماً أعطاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصبر والأناة والحلم دائماً، وإلا لم يكونوا مصلحين؛ لأن بعض الناس إذا توسط في خصام أو في مشكلة فبمجرد أن يسمع من أحدهم شيئاً يرفض أن يسمع من الطرف الآخر فيتشاجر هو والآخر، فكانت المشكلة واحدة فأصبحت مشكلتين، وما استفدنا شيئاً! فلا بد أن يكون المصلح ممن يتحمل حتى لو أساء إليه ذاك وطرده، أو رده، أو أخرجه، فيذهب ولا يشكو ولا يذكر، حتى تبقى المشكلة واحدة ما أمكن، ويحتسب ذلك عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وإن كان يصعب على النفوس أحياناً تحمل الظلم ومرارته، لكن أقول: المصلح لا ينبغي ولا يجوز له أن يتحول إلى خصم مهما أمكن.

وإن كان لهذه القاعدة من الاستثناء فهو أن بعض الناس قد يكون من المنفرين نسأل الله العفو والعافية، فقد يكون ممن لا يأتيه أحد إلا وعاداه وخاصمه، فهذا إن جاءه أحد وحصل منه هذا، فيكون ممن أراد الله أن يفضحه.