للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زيارة ديار العذاب]

السؤال

ما ذكرتموه عن ثمود وقوم صالح كيف يجمع بينه وبين قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل:٦٩]؟

الجواب

لا تعارض بينهما، ففرق بين من يسير في الأرض ويتأمل أحوال الأمم وأخطارها، بين هذا الأمر العام، وبين أمر خاص في اجتناب مكان معين، فلو تأمل الإنسان وأراد الاعتبار، فكل ما أمامك فيه عبرة {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [النمل:٦٩] والناس لا بد أن يسيروا بطبيعة الحال في الأرض، فأينما سرت فتأمل.

فنحن الآن في جدة، فلو كان لنا عبرة وعقول لتأملنا هذه المباني القديمة في جدة، التي كانت قبل زمن قريب ليس بكثير أعظم وأفخم ما في جزيرة العرب من القصور والمباني.

والآن لو تُهدى لأحدنا فلن يقبلها إلا من أجل مكان الأرض، أما غير ذلك فليس فيها فائدة، ولذلك لن يقبلها ولن يسكن فيها، وسيستوحش لو نام فيها.

فأينما تذهب تجد العبرة، سواء كانت ديار قوم مجرمين ومفسدين فلتعتبر ولتخف الله، وإن كانت -أيضاً- لقوم صالحين، فلتعلم -أيضاً- أن هذه عاقبة ونهاية الدنيا، حتى مع الأخيار الأطهار الأبرار، فهذه نهايتها وهذه عاقبتها، فأينما سرت تجد طرقهم، وتجد آثارهم، وتجد قراهم، وتجد البيوت الخاوية، وتجد المدن المهجورة، وتجد الحضارات المندثرة، فليتأمل الإنسان وليعتبر وليتعظ.

لكن لا يعني ذلك أن ينوي سفراً خاصاً لزيارة آثار منطقة معينة، فهناك نهي خاص عن هذا، ولا يجوز، أما الاعتبار العام والسير العام، أينما ذهبت.

فمثلاً: الآثار الرومانية موجودة في الأردن وسوريا وليبيا وتونس، وقرطاجنة، التي في تونس ما كان أحد يحلم أنها تفتح، وفتحها المسلمون والحمد لله، آثار عجيبة جداً، حتى ولو لم ترها إلا في صورة أو في كتاب أو في فيلم.

فأحياناً تجد في هذه الأفلام هذه الآثار، فنرى عجباً حيث أنها تبين لك كيف كان هؤلاء الناس، وكيف أنهم أثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمرناها، وكيف أن الأرض أخذت زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، ونسوا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم بالمرصاد، فأتاها أمره ليلاً أو نهاراً، فجعلها حصيداً كأن لم تغن بالأمس، فأينما تذهب تجد هذه الآثار.