للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين توضيح الخطأ وتتبع الأخطاء]

السؤال

هناك من الشباب هداهم الله عندما يسمعون من العلماء المعاصرين خطأً في فتوى معينة يقولون: عقيدته فيها كذا، أي: إذا أخطأ في فتوى طعنوا في عقيدته؟

الجواب

سبحان الله! ما الذي أدخل هذا في هذا، فالاجتهاد الفقهي لا علاقة له في مسألة عقيدته، والبعض الآخر منهم يبحثون عن عقيدة العلماء المعاصرين، مع أنهم الظاهر عليهم أنهم من أهل السنة والجماعة، وبعضهم يتكلف ويتتبع، فإن بلغه أن أحد العلماء أو أحد الدعاة عنده مائة محاضرة فيجلس يسمعها كلها من أجل أن يجد فيها عشرة عيوب! أشغلك الله بهذا الإنسان إلى هذا الحد؟! ومن الذي كلفك بهذا؟! وماذا تريد من هذا؟! قال: أريد أن أنظر ماذا عنده من أخطاء حتى أنشرها! فإن نشرتها فماذا فعلت؟ نشرت بين الناس أن هذا الذي يثقون فيه ويحبونه ويسمعون كلامه، وهدى الله به قوماً كثيرين -إن شاء الله- يكون فيه كذا وكذا عيب لكن وبعدها ما الفائدة؟ فقد يرتد بعض الناس عن الخير والصلاح، وقد يفسق وتقل قيمته.

إذا قلت: قيمة العلماء والدعاة فإن هذا يعم الجميع، ولا نتصور فقط أن هذا ينحصر بواحد بعينه، لا، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعرض عنه، كما قال بعض السلف حكمة عظيمة جداً يقول: [[علامة إعراض الله عز وجل عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه]].

فبعض الناس يقول: أريد أن أتتبع فتاوى شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية لكي يبينوا ما فيها من أخطاء، سبحان الله! فما أحسن هذا عند أهل البدع وعُبَّاد القبور، والمجرمين، والملحدين، والمؤولين! أن تقول: ابن تيمية أخطأ في كذا، وكذلك إذا قال: سوف أتتبع عيوب الألباني، فهذا عند أهل السنة من أكبر الأخطاء، وهو منافٍ للحكمة في الدعوة، فنحن لا نقول: إن أحداً لا يُخطئ حتى شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، لكن نبه عليه! فمثلاً: إذا كتبت موضوعاً أو تطرقت إلى موضوع في بحثك أو في فتوى فقل: وأما قول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله فيبدو لي أن الصواب خلاف ما قال، مثل سماحة الشيخ ابن باز حفظه الله في كتاب الحج -مثلاً- عندما قال: وبعض العلماء يقول: إن المتمتع يكفيه طواف وسعي واحد، فإن ابن تيمية رحمه الله قال هذا الشيء وأخطأ، لكن عندما تكتب أو تتكلم عن قضية بذاتها، أو أمام طلاب علم، أو في بحث معين فلا بأس، وهذا موجود، ولا ينكره أحد، كأن تقول: إن ابن تيمية أو ابن القيم أو ابن حجر رحمهم الله في هذه المسألة على ما يبدو لي قد أخطئوا في اجتهادهم، أو أن الصواب خلاف ما قالوا رحمهم الله وتثني عليهم، فهذه لم يعترض عليها أحد.

لكن المشكلة هي أن تقول: أنا أجمع أخطاءه وأبينها للناس، فتقول له: لماذا؟ فيقول: إن الناس يقرءون الفتاوى كثيراً، فمن أجل أن لا يغتروا أُبين لهم ما أخطأ فيه، فهذه مصلحة، لكن نظرك قصير، فعندما تنظر لهذا النظر القصير تنسى المفسدة الكبيرة، لأنه قد يقول لك بعضهم إنه لن يشتري الفتاوى، لماذا؟ تجده يقول: نظرت إلى الكتاب الذي ألفه فلان عن أخطاء هذه الفتاوى فهذا الذي جعلني لا أشتري هذا الكتاب، والآخر ألف كتاباً في أخطاء ابن حجر ويقول الآخر لن أقرأ فتح الباري لماذا؟ لأن فيه أخطاء، جميل وماذا تقرأ؟ فإن تركنا الفتاوى وتركنا ابن حجر وابن القيم والألباني والشيخ ابن باز، فكل واحد -مثلاً- عنده أخطاء، فعندها لا بد أن نرجع ونقرأ لأهل البدع وإلا إلى أين نذهب؟! فهذا من فهم الأمور وعكسها على غير حقيقتها، ولهذا قس نسبة الخطأ الذي قاله وقس الحاجة إليه بالمفاسد المترتبة، وبما ينتشر في الأرض من منكرات وإلحاد وعلمانية وفجور ودعوة إلى ارتكاب أكبر المحرمات وهو الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فعندها تجد أن كلامك ليس له معنى وعملك لا معنى له أبداً، أما إن كان من الأحياء فاكتب له، وقل له، واسمع منه.

فأحياناً الإنسان يقول قولاً لسبب ما -وهذا مجرب لدى أكثر الناس- فمثلاً في خطبة الجمعة، قد تضطر إلى أن تقول في الخطبة كلاماً ولو سألك واحد بعد الصلاة لماذا؟ تقول هناك سبب معين، أو هناك شيء معين اقتضى أقول هذا الشيء؛ لأنه حدث كذا، ثم يأتيك بتفاصيل أسباب قوله هذا الكلام، فأنت إذا سمعت من أحد شيئاً فقبل أن تنكره، اسمع منه فقد يعطيك عذره ويجعلك تقتنع بغير ما قال، وهكذا.

ثم إذا وصل الأمر إلى أنه اجتهاد، فهناك قاعدة عند العلماء: 'الاجتهاد لا يبطل الاجتهاد' وشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله له رسالة بهذا وقررها أعظم تقرير.

ولذلك لو أن قاضياً حديث عهد بالتخرج في أدنى مراتب القضاء، أفتى وحكم في مسألة باجتهاده فلا يجوز حتى لرئيس القضاء وأكبر عالم، أن ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، لماذا؟ لأنه اجتهاد باجتهاد، أما لو كان خالف النص فإنه ينقض الاجتهاد بالنص، أما الاجتهاد الذي فيه قولان وفيها اجتهادان، فهذا قال بقول وهذا قال بقول، فلا ينقض هذا بهذا، ولا يقتضي ذلك عداوة، ولا بغضاء، ولا شحناء، ولكن لضيق الأفق فهو الذي يحول دون استيعاب هذا.

فمثلاً: الخوارج ماذا أخرجهم؟ أصل خروجهم أنهم قالوا: كيف يختلف الصحابة؟ وكيف يتقاتلون؟ وما الحل؟ فمثلاً: قالوا: نقتل علياً ومعاوية ونقتل عمرو بن العاص، ونريح الأمة من المشكلة، وفعلاً هذا الذي أرادوه، لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يرد أن يُقتل أو يموت إلا علي رضي الله تعالى عنه فهل هذا حل، لأنهم اختلفوا أو تقاتلوا؟ فبدلاً من أن تقول: يا أمة الإسلام! اذكروا محاسنهم، وكفوا عما شجر بينهم، ولكل منهم اجتهاده وإن تقاتلوا فكذا وكذا، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فقالوا: لا، الحل أن نريح الأمة منهم فنقتل الثلاثة وبعدها الأمة تختار خليفة وتجتمع عليه، ثم إنهم بعدها قتلوا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، وأما عمرو ومعاوية فاخطؤوهم، فهكذا بعض الناس يرى أن الحل هو القتل، وليس شرطاً القتل بسفك الدم، لكن أن تقضي على العالم الفلاني أو الداعية الفلانية لترتاح من شره، فليس في هذا راحة، بل بالعكس: هذا حل الذين لا يدركون الأمور ولا يقدرونها حق قدرها، وهو فهم ناتج عن ضيق النظر من عدم الصبر، ومن عدم معرفة فقه الاختلاف وأدبه بين العلماء قديماً وحديثاً.