للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاتجاه الثاني]

أما الاتجاه الآخر القائل بأن الشيوعية في مرحلة تجديد، وأن عملية إعادة البناء ما هي إلا تطوير للمذهب، وما هي إلا نقلة ضمن نقلات ومراحل مرت بها الشيوعية منذ تأسيسها، فإن هذا القول له شواهده وله مؤيداته.

وهذا هو ما ينادي به ميخائيل جورباتشوف بنفسه، فهو يقول في كتابه: عملية إعادة البناء ويكرر بأن المسألة: هي إعادة بناء كما سميت، وأنها تجديد للاشتراكية، ولعل المراد هو من العملية تطبيق الاشتراكية تطبيقاً صحيحاً، وإدارة الدول بأفضل وسيلة لتحقيق الأهداف الاشتراكية.

إن جورباتشوف ينتقد النهج الاستاليني بقوة، ولكنه لا يثور ولا يتعرض لمسألة فساد أو خلل الفكرة في ذاتها، فالأيديولوجيا أو العقيدة في ذاتها مقدسة عند جورباتشوف وإنما الإشكال عنده في التطبيق، بل هو يعتذر في مواضع من كتابه عن الخلل الذي حدث في أيام استالين، وبعض الخلل كما كان في مشكلة الشئون الاجتماعية والمرأة.

يقول: 'إن ظروف الحرب -أي الحرب العالمية الثانية- جعلتنا نتغاضى أو نتجاوز كثيراً في مسألة التطبيق أو الالتزام بالمبدأ، فكان هذا التجاوز لا بد أن يصحح يوماً ما، وهاهي ذي عملية إعادة البناء قائمة على ذاتها'.

ويؤيد جورباتشوف كلامه بأنه في كل اجتماعاته وهو ذلك الخطيب المفوه والمجادل المقنع مع الأدباء، ومع المفكرين، والسياسيين، والصحفيين، والمغنيين، والفنانين، والفلاحين، وكل قطاعات الشعب يقول: 'إن الكل يؤيد عملية إعادة البناء، ويرى أنها تمثل روح الثورة وحقيقتها، وأن الانحرافات الماضية، وألوان الفساد الإداري التي ظهرت جديرة أن تصحح وفقاً للمنهج الشيوعي الصحيح'.

ومما يؤيد به أصحاب الرأي الثاني: أن الشيوعية تتعرض لتطورٍ وتجديد لا لانهيار وتدمير أن الوضع الذي حدث في أوروبا الشرقية لم يكن للاتحاد السوفيتي نفسه، فكل ما حدث من انهيارات للنظم الديكتاتورية هو في أوروبا الشرقية التي يشرف عليها الاتحاد السوفيتي بطبيعة الحال، لكن ذلك لم يمس الجوهر الأساسي للشيوعية كما أخفق إلى حد ما في سقوط الشيوعية أيضاً.

كذلك يبررون هذا الموقف بأن ما حدث إلى الآن لم تظهر نتائجه كاملة في دول أوروبا الشرقية، لأن الأشخاص الذين اختيروا في أغلب الدول وفي كثير من الأحيان هم من النوع المسمى الشيوعيين الإصلاحيين، فلم يجمع الناس على الخروج عن المبدأ، وإنما الخروج على الفساد الإداري أو السلطة الإدارية القائمة، ولذلك فكل الأحزاب إما شيوعية إصلاحية وإما اشتراكية، والذين اختيروا في الغالب لا يرفضون الشيوعية منهجاً، وإنما يرفضون التطبيق الذي حدث في تلك الدول.

فهذا -أيضاً- مما يدعم موقف أولئك الذين يرون فيها تطويراً وتجديداً لا تدميراً وانهياراً، كذلك فإن الذين يقولون بهذا القول يرون أن الغرب يوجد فيه أحزاب شيوعية، ومنذ أن قامت ثورة شيوعية، ولو رجعنا للوراء قليلاً فالخلاف في حقيقة الماركسية وتطيبقها طويل.

وكل مذهبٍ ضال وكل مذهب منحرف عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلابد أن يكون كذلك، التفرق في الأهواء والاختلاف والجدل، فقالوا: إنه منذ أن كان لينين وكان تروتسكي؛ المونشفيك والبولشفيك، البلولشفيك هم الأكثرية من البلاشفة، والأقلية هم المونشفيك الذين كان يمثلهم ترتوسكي وجماعته وجدت الدولية الثانية ثم الدولية الثالثة ثم الدولية الرابعة والبونشفيك أي: أن الشيوعية خارج الاتحاد السوفيتي كانت تمثل عدة اتجاهات.

ومنها: اتجاه كان يشتد في إنكاره على لينين واستالين، لأنهم أقاموا الشيوعية في بلدٍ واحد، والشيوعية مبدأ عالمي، والشيوعية كما يرون نظرية كونية عالمية، فكيف تطبق في بلدٍ واحد وهو بلدٍ زراعي -أيضاً- وليس بلداً صناعياً وهو روسيا، ولذلك يرون أنه لا بد أن تعم الثورة أوروبا جميعها، وأن تقوم في كل مكان دفعة لكن بأية طريقة؟! هنا اختلفوا، فمنهم من يرى التغلغل بالوسائل السلمية، ومنهم من يرى الثورة المسلحة كما قامت في روسيا تحت شعار الثورة الحمراء.

والذي حصل أن الأحزاب الشيوعية في العالم الغربي كانت تنشق وتتباعد شيئاً فشيئاً عن الاتحاد السوفيتي، وعن تطبيقات الشيوعية في أيام استالين، إلى أن برزت أحزاب شيوعية كبرى كـ الحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي الإيطالي.

فمثلاً: الشيوعيون في فرنسا لهم قوة واضحة في السياسة، كما أن الأحزاب الاشتراكية تحكم في كثيرٍ من الدول الغربية، وهي قائمة وموجودة، ولها قوتها ونفوذها، فكأن ما يحدث الآن هو تأييد لنوعٍ من أنواع الشيوعية الدولية ضد التطبيق الأستاليني المنتهج عملياً في الاتحاد السوفيتي.