للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية الانتساب لمنهج أهل السنة والجماعة]

السؤال

في بعض هذه التجمعات شيء من الخلل، هل يُخرجون من مسمى أهل السنة والجماعة؟

الجواب

نعم، العدل في هذا الأمر هو كما نعلم من منهج وطريقة السلف الصالح -رضوان الله عليهم-في الجرح والتعديل وهو أن الاعتبار إنما يكون بالمسلك والمنهج وأصل الطريقة والتمسك والاتباع، فمن كان متبعاً لكتاب الله ولسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللسلف الصالح في الجملة والأصل، متحرياً للحق، مجتهداً في اقتفاء آثارهم، فإنه يكون منهم، أي: من أهل السنة والجماعة ومن أتباع السلف الصالح، وإن أخطأ.

وليس مجرد انتساب الإنسان لـ أهل السنة والجماعة أن يكون معصوماً، بل لا يزال كل بشر عرضة للخطأ، فمهما أخطأ في بعض الأمور، فإنه يظل من أهل السنة والجماعة، أما إذا كان الخلاف عن اتباع لأصل من أصول أهل البدع، فإنه يلحقه ما يلحق أهل ذلك الأصل، من الذم، أو اللوم، أو القدح، أو الطعن.

ومن الاتباع ما قد يكون مخرج من الملة -نسأل الله العفو والعافية- ومنه ما يكون صاحبه مبتدعاً ضالاً مذموماً بحسب درجته، والمقصود هو أن نُفرق بين الخطأ الذي لا يؤثر على المنهج وبين قصد مخالفة المنهج، وهذا واقع في القديم والحديث، ولنضرب مثالاً بالواقع، حتى يتضح الماضي: الآن من دعاة الإسلام من يقول: إن في الإسلام اشتراكية، أو يقول: إن الإسلام لا يتعارض مع القومية؛ لكنك لا تستطيع أن تقول: إن فلاناً اشتراكي أو قومي، بمعنى أنه مثل دعاة الاشتراكية المستوردة من الدول الشرقية، أو من أتباع الحركة القومية المعروفة، لكنه متأثر بهم، يميل إليهم في بعض آرائهم وهكذا، فإن هذا قد يقع في القديم، مثل ما يُقال: في فلان تشيع، فيه إرجاء، أو أنه قال قولاً موافقاً لإحدى الطوائف البدعية، ولكن ذلك لا يخرجه عن دائرة أهل السنة والجماعة، وقد يوافقهم في بعض الأمور عن اجتهاد وخطأ، بل إنني وجدت من خلال قراءتي عجباً في هذا.

بعض الناس يقول: أنا أشعري، ويظن أنه بذلك يمدح معتقده لأن الأشعري -في نظره- هو صاحب الإبانة، التي قال فيها: نحن على ما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل بخلاف الآخر الذي يقول: أنا أشعري.

ويقصد معنىً بعيداً جداً وهو المذهب الكُلامي الكلابي الذي تبرأ منه الإمام أبو الحسن الأشعري في الأخير وهكذا.

ولذلك -في الحقيقة- ليس العبرة بمجرد الانتساب أو مجرد الأسماء، بل لا بد أن ننظر لحقيقة الرجل وإلى منهجه، ومن غلب عليه الصواب والحق، فنرجو أن الله سبحانه يُكفر عنه خطاياه التي أخطأ أو تأول فيها، أو كانت لديه فيها شبهة، أو ما أشبه ذلك، ولا سيما في العصور المتأخرة عندما تكاثرت الفتن وضعف أهل السنة، ولـ شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله كلام قيم في مسألة ضعف أهل الحديث وضعف أهل السنة أو كثير منهم -في العصور المتأخرة- عن إقامة الحق.

بل الذهبي -رحمه الله- عندما تحدَّث عن ابن عربي، وقال: إن الذي جعل ابن عربي وغيره من أهل الزندقة يتطاولون أنهم نشئوا في عصر، والمحدثون فيه أمثال فلان وفلان، وذكر أسماءهم لكن الذين عاشوا في أيام الإمام أحمد، وعلي بن المديني، ويحي بن معين، وعبد الله بن المبارك، وسفيان ووكيع، وشعبة، وغيرهم من الأئمة الأعلام، ما كان أحد منهم يستطيع أن يجاهر بمثل هذا الكلام، فظهور آثار النبوة والرسالة له ميزة في الحكم على الناس فيما بينه وبين الله.

فنحن تعبدنا الله باتباع الحق ومعرفته والسعي إليه، ثم بعد ذلك بالنسبة للحكم على الناس تعبدنا الله تبارك وتعالى، وأمرنا بالعدل والإنصاف في هذا الأمر.